05-2014
05

كلمة شهر رجب 1435هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبدهِ وحبيبهِ سيّدنا الأمين، محمد بن عبد الله وآلهِ وصحبِهِ والتابعين، وعلى آبائهِ وإخوانه من الأنبياءِ والمرسلين، وآلهِم وأصحَابِهِم وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
 أما بعدُ، فإلى إخوانِنَا وأحبَابِنَا حيثُما كانوا:
 سلامُ الله ورحمَتُه وبركاتُه عليهم ..
 كلمة شهر رجب المُبَارَك من العام الخامِس والثَّلاثين بعد الأربع مائة والألف من هجرةِ سيدِ المُرسلين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..
 أيُّها الإخوان في اللهِ والأحبابُ الكِرَام، يجبُ أن نُدرِكَ ميزةَ الانتهاجِ بمنهجِ اللهِ المُفضِي إلى اغتِنَامِ الحياة وتحقيقِ السعادةِ إلى الأبد، فيترتبُ على حُسنِ ذلك الانتهاج تحقيقُ مقاصِدَ سامية لهذا المؤمنِ في حياتهِ، مِن قُربهِ من الله، ومن ازديادِ رضى ربِّه عنهُ، ومن صلَتهِ بنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومن زيادةِ إيمانهِ ويقينهِ، ومعرفته.. إلى غير ذلك من المقاصد الساميةِ الكبيرةِ العُظمى.
 فحسنُ الانتهاجِ في منهجِ الرَّحمنِ جلَّ جلالُه يُحقِّقُ هذا العَطاءَ السريعَ في عاجلِ هذه الحياة بشاهدِ قولِ الرحمن: ( لهمُ البُشرى في الحياةِ الدُنيا وفي الآخرة ) فهذهِ الأمورُ التي تُحقَّق على أي وجهٍ كانت الظروفُ القائمة في أحوالِ الناس، الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ والفكريةِ وغيرها، فهي شؤونٌ يُبديها الحقُّ ولا يبتديها، ومن سُنَّتهِ أنه يُعاقِبُ بين الخيرِ والشر، ويُداوِلُ بين ظهُورِ الهُدى والضلال والحقِّ والباطل، ويجعلُ سبحانهُ وتعالى العاقبةَ مخصوصةَ للحقِّ وأهلهِ للمُتقين في الدارين معاً بشاهدِ: ( إنا لننصرُ رُسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدُنيا ويوم يقومُ الأشهاد يوم لا تنفعُ الظالمينَ معذرتُهم ولهم اللعنةُ ولهم سوءُ الدار).
 فليكُن مِن وِجهتِنا إلى الرحمنِ تعالى أن لا نُقصِّرَ مُتأثرينَ بما يدورُ حوالَينا على ظهرِ الأرض، من تسبُّباتٍ لأنواع الاتجاهاتِ على ظهرِ هذهِ الأرض، من تسبُّباتٍ في حدوثِ أشياء ووقوع أشياء، ونحنُ نرى أنَّ هذه التسبُّبات أو القيام بالأسبابِ من أهل الجِهَات المختلفة على ظهرِ الأرضِ لتحصيلِ أشياءَ معينة، محكومَةٌ بحُكمٍ رفيعٍ عظيمٍ إلهي، منه أنَّ الكونَ مائدةٌ مبسوطةٌ والآخِذُ بالأسبابِ قد ينتهي إلى تحصيلِ شيءٍ من المُسبَّباتِ إلى حدٍ ما، إلا أن ذلك لا يأتي على وتيرةٍ واحدة ولا على ديمومية، ولا يكونُ أيضاً لهُ العاقِبَة، ولكن إلى حدودٍ محدودةٍ ينتهونَ فيها.
 ومنهم من يتسبَّبُ في نشرِ أنواعٍ من الفساد فكراً كان أو خُلقاً في مُختلف أيضاً شؤونِ الحياة، فبواسطةِ القيامِ بتلك الأسبابِ قد يصلونَ إلى نتائِجَ من مُسبَّباتِها إلى حدودٍ محدودة، ومع ذلك فإنا نجد على وجهِ العُمومِ أنه بعد أن ينتشرَ أيُّ فسادٍ في أي ناحيةٍ من النواحي يعقُبُهُ إشراقُ نورٍ يقضي على ذلك الفسادِ أو يُحجِّمهُ أو يُبعدُ شرَّه عن الكثرةِ الكاثرة، ويكون ذلك بما هو منهجُ الدائبينَ في حُسنِ الانتهاجِ لمنهجِ الله تعالى إذ هم المُتسبِّبون في الخيرات.
 فقيامهم بالأسبابِ لنشرِ الخيرِ ولنشرِ النورِ ولجمعِ القلوبِ على الله ولإعلاءِ كلمةِ اللهِ، من مهماتهم ومن الفرائضِ المتوجِّهة إليهم، وهم بحسب حُسنِ انتهاجهم يلازمون القيامَ بذلك؛ فيستعملون لذلك كلَّ ما في وِسعِهم من وسائلِ الاتصالاتِ والتعريفاتِ والتعليماتِ والوصولِ إلى الأذهانِ والعقولِ والنفوس والقلوب؛ فيستعملون كل ما يُّسر لهم وقدروا عليه في هذه المجالات، ثم بعد ذلك عندما يأتي الوقتُ الذي يأذنُ الله فيه بظهور الخيرِ يجدون لذلك ثماراً كثيرةً كبيرةً غير المتوقع، كما أن الطوائفَ المُقابلةَ من جميعِ أهل الضلالِ على ظهر الأرض يبذلونَ بذلاً واسعاً وجهداً كثيراً، ولابد وإن حصلوا على بعض النتائجِ من ذلك لابد أن يأتي لهم ما لم يتوقعوا من فسادِ ما أرادوا ومِن وجود من عكسِ ما أحبوا أو تسببوا له.
 كذلك العاملون على منهجِ اللهِ مخلصين مهما كانت قدراتُهم قليلةً وإمكانياتهم والوسائل التي بأيديهم أقلّ وأضعف يجدونَ على مرور الأزمنةِ ما لم يتوقعوا من ظهورِ الأثر الكبير الضخم، ليعلم الفريقان والطائفتان أهلُ الحق والباطل أن الأمرَ ليس لهم وأن للبيت ربٌّ يحميه، هذا جليٌّ واضح في واقعِ الناس وعلى مدار التاريخ.
  فحُقَّ للمؤمنين أن يُحسِنوا الانتهاجَ بمنهج الله ويلاحظوا أنفسَهم في حسن الأداء والتطبيق للشرع المصون وإحياء سنن الأمين المأمون، والعمل على استنفاد الوسع والوسائل التي بأيديهم لنشرِ الهدى والخير، ولعل المرحلةَ التي نمر بها مع ما فيها من شدائد ظاهرة هنا وهناك، أيضا فيها لوائحُ إرادةِ الحقِّ أن يُظهِرَّ الحقَّ والهدى في سلسلةٍ ثابتةٍ منتظمةٍ قويمةٍ من أسرار إرادةِ ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ).
وعندما تأتي الأزمنة التي يرتبها الله لظهور الخير فاليسيرُ من الوسائل واستعمالها والأسباب والقيام بها يثمر ثمراتٍ كثيرةً كبيرةً واسعةَ المدى، فلنغنَم تلك الفرص، وفي معنىً أيضا يتضمنه الإشارة في الحديث النبوي: ( يكون للعاملين فيه أجرُ الخمسين منكم ) ما يجعل العاقلَ منا مغتنماً في مثل شهر رجب وما يليه من شعبان ورمضان وبقيةِ عُمرِه لحسنِ الانتهاج في منهجِ الله ليكون سبباً وأداةً في إظهارِ الحقِّ والهدى ونشرِ الخير بين العباد.
 ولذلك كما أسلفنا خيرٌ حاضرٌ معجَّل من القرب من الله، وزيادة المعرفة به، والرضا منه والرضا عنه، والإيمانِ واليقين، والقرب من محمد صلى الله عليه وسلم، وقوة الصلة به.. إلى غير ذلك من المقاصد الرفيعة المتحققة للمؤمن وهو في هذه الدنيا، وفوق ذلك كله إن جميع ما ينطلق فيه ويبذله ويؤتيه ويعمله من الخيراتِ مخلصاً لوجه الله فإنه مذخورٌ له جزاءٌ أكبر وعطاءٌ أعظم وأفخر في البرزخِ والمحشر، وجنات الربِّ سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يوصف إلا بما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وبقولِ الله : ( فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفي لهم من قرةِ أعين ) .
    فليتعمق فينا إدراكُ أن حقائق السعادة في الدنيا والآخرة هي في الانتهاج بمنهج الله، وحسن ذلك في تبعيتنا لسيدنا محمد بن عبد الله صاحب الإسراء والمعراج الذي جاء آيةً من آيات الله تعالى تحررنا أن ننبهرَ بكل ما يصله هذا الإنسان في القيام بالأسباب فيما يتعلق من اختراعات تتعلق بهذا الفضاء الذي نعيشه الملاصق لهذه الأرض، وكل ما تحدثوا عنه من علوم في طبقات الجو وغيره والأفلاك، فإن أمامنا صاحب آية الإسراء والمعراج الأعظم الأكبر التي تجعلنا إيجابيِّين في شؤون ما يحدث في هذا العالم، من حيثية الاستفادة ومن حيثية الاستخدام لذلك في المنهج الأعلى، ومن حيثية أن تطمئنَّ قلوبُنا أن ما وراءنا من المرجعية والقدوة أعظمُ شاناً وأكبرُ برهاناً وأعلى سلطانا، فنكون على ذلك القدم غير مستأسَرين بشيء مما هو مائدةٌ موضوعة للإنسان لا تعدو ذلك، وهو بعد ذلك كله تحت دائرة: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ).
فأيها الأحباب حسن الانتهاج في منهج الله لنقوم به، ولنحافظ عليه ولنتعاون عليه، وبالله التوفيق.