بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ الكريمِ المنان, الذي أقام لأهل الإسلام مدرسةَ شهرِ رمضان، لتكون سُلَّماً لهم إلى مراتبِ القُرب والتَّدان، وإعدادًا ليكون الصائم والقائم جنديًّا من جنودِ الرحمن؛ والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى من عدنان، وآله الكرام وأصحابه الأعيان، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم وضع الميزان.
وبعد .. فإلى إخواننا وأحبابنا من أهل لا إله إلا الله ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جعل الله تبارك وتعالى سيادةَ شهر رمضان على سائر الشهور غنيمةً لأهل الإيمان بالحق، واليقين بالمصير، فيكون كفارةً لسيئاتهم ومغفرةً لذنوبهم وعتقًا لرقابهم من النار، وقد أقبلنا على خواتمه وأواخره وإنما الأعمال بخواتيمها. وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، فانتبهوا من العشر الأواخر ولا تضيِّعوها في غفلة ولا في أسواق وملاهي، وخذوا نصيبَكم من الاعتكاف في المسجد ومن قراءة القرآن.
وخذوا من دروس رمضان تعظيم قلوبكم لكتاب الله تبارك وتعالى للعمل به، ولأن نفرِّغ مَن نقدر من أبنائنا وبناتنا لحفظِه على الوجه الطيب، والوجه الطيب أن يقرن الحفظ بتعظيم الحرمة وصفاء القلب وبإخلاص النية وبالتواضع لله تبارك وتعالى والتذلل له، وبحسن الظن بعباد الله وبرحمة الخلق أجمعين، وهكذا يقوم الحفظ للقرآن إذا تم على وجهه هذا فيفيد قربةً إلى الرحمن وجزاءً أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ( من حفظ القرآن وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً ضوؤه أحسنُ من ضوء الشمس في بيوت الدنيا ) ثم قال هذا لوالديه فما الظن بالذي عمل.
إنها شعيرة مباركة، فعظموا شعائرَ الله وابتَعِثوا مِن بواطنكم وقلوبكم التشوُّق إلى لقاء رسول الله وأصحابه، بمشابهتهم في نصرته فتنصرونه في دياركم ومنازلكم بإبعادِ ما خالَف سنَّته وخرج عن طريقه وهديه، وبتعليق قلوب أبنائكم وبناتكم به وبمحبته وبتعظيمه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبمشابهته في العشر الأواخر فتخصُّونها بمزيد من الاجتهاد وبمزيد من القراءة للقرآن ومن حضور الصلوات ومن مواساة الأرحام خاصة والفقراء والجيران وعامة الناس.
ومن دروس رمضان: اجتماعُ القلوب على الله تبارك وتعالى وصِدقِ الوِجهة إليه والخروج بفوائد الدوام على حسن العمل بشريعته وتطبيقِها ودعوة الخلق إليها بالقول والفعل والنية.
وفي خصلة تحتاجون إليها وهي تفقُّد أهل الحاجة، والبذل في سبيل الله لتقوم حقيقةُ وحدة المسلمين وأخوَّتهم، ولتنقفل أبوابُ الإضلال والإغواء والدعوة إلى الكفر وإلى الشر التي يقوم بها من يقوم مِن أهل الضلال ليُزِيغوا قلوبَ المسلمين عن سواء السبيل في الوقت الذي يفقد فيه أولئك المسلمون مَن يتفقَّد حاجتَهم ومَن يراعي شعورَهم وبعثَ وبثَّ المودة والأخوة والألفة بينهم.
فنحن نحتاج أن نأخذ من الصحب الأكرمين الذين كان في طليعتهم سيدنا سعد بن معاذ الذي قال لرسول الله ( خُذ من أموالنا ما تشاء واترك ما تشاء والذي تأخذ أحب إلينا من الذي تترك) والذين عبَّروا عن صدق ولائهم بقوله ( قاطِع حبال مَن شئت، وواصِل حبالَ مَن شئت، وحارِب مَن شئت، وسالِم مَن شِئت، ونحن حربٌ لمن حاربت، وسِلمٌ لمَن سالمت ) فلنُقِم حقيقةَ هذه التبعية لهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا القدم الذي مضى عليه الصحابة.
ولنغتنم بقية ليالي رمضان في تفقُّد المحتاجين، فلنعتنِ بذلك ونغنم بقيةَ أيام الشهر الذي كان فيه رسول الله أجود ما يكون. وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فهو أجودُ بالخير من الريح المرسلة.
ألا وخذوا الدروس من هذا الشهر والصوم فيه، فهي تعلِّمكم تقويمَ الصرف فيما تنفقون وأين تنفقون، وكما تعلِّمكم الشعورَ بحال الجائع، وحال المحتاج لتكونوا ممن يُحسِن الإنفاقَ في محلِّه ولتقوموا بدوركم في المجتمع؛ وهو مع ذلك كله يفيد إشراقَ أنوارٍ في بواطنكم، وتصفيةً في سرائركم، وذوقًا رفيعًا لمعاني إيمانكم وقُربِكم مِن خلاقكم.
نسأل الحقَّ أن يأخذ بأيدينا، وييسر لنا السبيل في إقامة الأمر على ما يرتضيه، وأن يجعل صومَنا مقبولاً وقيامنا مقبولاً ويرزقنا الإحسان فيه، متجنِّبين للآفات من اللسان وبقية الجوارح الأعضاء ( فإنَّ مَن لم يدع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ أن يدع طعامه وشرابه ).
ثبَّت اللهُ قلوبكم، وشرح الله صدورَكم، وأخذ الله بأيديكم، ورزقكم اغتنامَ ليالي العشر حتى يكون العيد لكم من أبرك الأعياد، ممدودين فيه بأوسع الإمداد من فيض جودك يا كريم يا جواد.
اللهم ارزقنا اقتطافَ ثمرات الصوم، والفوز بحقائقه وسامي معانيه، واجعلنا من خواص أهل رمضان، واجعله مبارَكا علينا وعلى أمة نبيك محمد أجمعين..
والحمد لله رب العالمين.