بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله منوِّر القلوب والعقول، وصلى الله وسلَّمَ على سيدنا المجتبى المصطفى الرسول، سيدنا محمد وآله وصحبه الفحول، وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..
أما بعد .. فإلى إخواننا في الله، والمتلقِّين لكلمات الأشهر رجاء الخير من الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
نرفعُ إليكم كلمةَ هذا الشهر، شهر ربيع الثاني من العام السادس والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة رسول الله سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
فنقول: يجبُ أن نُمَكِّنَ في عقولِنا ومداركنا شؤونَ الغاياتِ التي إليها ترجعُ أنواعُ النظرياتِ والمفاهيم والأطروحات والمعلومات بمختلف أصنافها، لنصلَ إلى إدراكِ حقيقةٍ نُحفَظُ بها من الأوهام التي تنتابُ العقولَ والقلوبَ عند الغفلة عن هذه النقطة المهمة، وهي الغاية والمرجع لما طُرِح.. وأين مصدرُهُ ؟ وما منبعُهُ ؟ وإلى أين ينتهي؟ وإلى أين يُفضي بآخذِه؟
لندركَ عظمةَ كلِّ توجيهٍ يتعلَّقُ بمعلومٍ أو بسلوكٍ أو بفِكرٍ وتصوُّرٍ عن الحياة وَرَدَ عن الحق تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أولاً، ثم ما جاء ووردَ منتهياً إلى الصحابةِ الأكرمين وعلماء وأئمةِ أهل البيت الطاهرين وخيار علماءِ الأمة الورعِين.
لنُدرك الميزةَ والخصوصيةَ فيما وصلَنا من هذه الطرق وما كان مرجعُهُ حسنَ الفهم والاستنباطِ من أهل الفهم والاستنباط فيما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
وندرك ميزتهُ وعزَّتهُ وخصوصيتُه وحقيقة شرفِه وكرامته على كلِّ ما ينتهي إلى ما دون ذلك من تجارب وعقليات واستكشافاتٍ لصغارٍ أو كبار، لمسلمين أو كفار، لأفرادٍ أو مؤسساتٍ أو هيئات، فإذا نظرنا أن تلك الغاية والمرجع علمنا أنها غايةٌ قاصرةّ عن ذاك أيَّما قصور.
وأن الغاية والمرجعية الأولى السامية الشريفة هي التي لها الحكم فيما يُؤْخذُ من هذا وما يُرَد ، وما يُقبلُ وما يُرد وما يُرفَض، وكيفية الاستفادة من الإستنتاج والإستكشاف لأسرار الوجود والكون والتجارب في شؤون الحياة بأصنافها.
إلا أنه لا تجوز مغالطةُ النفس وإبعادُ العقلِ والقلبِ عن درَكِ الحقيقة فيما يتعلق بمقابلة تلك الأطروحات والآراءِ والاستكشافات والتجارب، والاستفادة منها، وميزان ما يؤخذُ وما يُرد.
فلا يطغى بنا كثرةُ الطرحِ وتنوُّعهُ فنفقدَ حقيقة الإدراكِ لهذا الأصل والأساس والمرجعية في كلِّ ما يُطرح ، وبذلك نملكُ السَّيرَ في سبيل التحرُّر مِن أن نُؤخذَ بغير حقٍّ بيدِ أيِّ متدخِّلٍ في شأن أفكارنا أو تصوراتنا أو سلوكياتنا وأخلاقنا أو قِيَمنا ومبادئنا أو تصرُّفِنا وانطلاقاتنا في الحياة.
لنكون على بصيرة، ونحفظ حُرمةَ ما يتعلقُ بالدين والقِيم والأخلاق لنعلمَ أنّهُ لا يُمكن أن تكون عرضةً أن يتصرَّف فيها أحد، بل المصدر فيها الحقُّ ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فلتُنزَل في منزلتها.
وليكن هذا الأصل القائم في أفكارنا وعقولنا وقلوبنا مخلِّصاً لنا من اختلاط الأمور والنظرات، ومِن أن نؤخذ على غِرَّة في استقبالِ شيءٍ يُخالفُ المنهجَ والرضا به.
أعني يُخالف ما جاء مِن مصدرِ العصمة، ومن مصدر الألوهية والربوبية ، أو أن نفقد حقائقَ التعظيم لهذا المصدر الأعلى، أو أن نتوَّهمَ عظمةً لِمَا دون ذلك من المصادر ، وهي مهما توثَّقت ودُقِّقَ فيها، مرجعُها فكرٌ يمكنُ خطؤه ونظرٌ يمكن ازورارُه ، ورأيٌ يمكن زَلَلُـه إلى غير ذلك مِن ضرورة شأن هذا الإنسان، الذي إذا خُدِعَ جعلَ خصوصيةَ الألوهية ثم خصوصية العصمة ملقاةً ومطروحةً على أحدٍ مِن الخلق كائناً مَن كان، وذلك هو الشَّطَطُ والميلُ والإفراطُ والتفريطُ الذي يُبْعِدُ المؤمنَ عن حقائق صلتِه بإلهِهِ ورسوله.
فلنعُد إلى تثبيت هذا الأصل وحماية القلب والعقل مِن أن يُضَلَّ ويُخدَع بشيءٍ مما يُطرح.
والله لصدورنا يشرح، وعلينا بالنور المبين يفتح ، ويتولانا بما هو أهله ، ويستعملنا فيما هو أصلح وأنجح وأحقُّ وأرجح.. وبالله التوفيق.