بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه الأكرمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وعباد الله الصالحين.
أما بعد: فإلى إخواننا من أهل الملة والمودة في الله تبارك وتعالى في علاه.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وفي كلمة شهر شعبان نتوجه إلى إخواننا أهل الإسلام والإيمان بقضيةِ حُسن النظر ما بين كرامة الإنسان وسيادته في الكون، أو تبعيَّتُه لشيء من الكائنات، ونقول مما يجب أن يتركز في أذهان المسلمين ويتعمَّق فهمُهم فيه، هو أن حقيقة كرامة هذا الإنسان بعلوِّه وسموِّه عن أن يكون مأسوراً لشيء من الكائنات محصوراً فيها بما أوتي من سعةٍ في العلم والفهم والروح، ومدارك واسعة ووجهات باطنية سامية عليَّةٍ رحيبة، كل ذلك يجعل هذا الإنسانَ أسمى من أن يكون مجرد مستخدَمٍ لشيء من الكائنات، وتقتضي أن يكون حسَنَ الاستخدام لمختلف الكائنات، قال تعالى ( وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ) [الجاثية:15] ويترتب على هذا سعة المسلم في استخدامه الوسائل المختلفة، فأولها ما اتصل بجسده وذاته من فكر وتصور وإدراك واستعمال للأعضاء، وما نتج عن ذلك مما حدث باستعمال هذه الأعضاء من وجود الأجهزة المختلفة والمختَرَعات المتنوعة، فإن أولي الألباب من بني آدم والبشر يستخدمون كلَّ ذلك لمقاصد أسمى من أن تكون إشباعَ شهوة وتلبيةَ غريزةٍ وجمعَ حطام، ولكن مَن قصُر عن رتبةِ حقيقةِ الكرامة صار مبهوتاً بأمثال هذه الأشياء مأخوذاً بها مأسوراً لها مستخدَماً لها أيضا، فهو لا يُحسن استخدامَها في الأغراض الشريفة، ولكنه يكون مستخدَماً لها ليهوي، فيكون عبداً مملوكاً مأسوراً للأغراض السخيفة. ومن هنا جاءت منَّةُ الله تبارك وتعالى للمؤمنين به برفعِ معنى هذه التبعيَّة، فلا يكونون مأسورين لا لمجرد الشهوات والإرادات النفسية الهابطة والدنية، ولا أتباعاً أيضا لغيرهم من بني البشر، ولا بقية أجناس الوجود، فلا يعبدون أحداً منهم، ولا يؤسَرون في مسلكهم واختيارهم الحركة في الحياة في تشريعاتهم وتقنيناتِهم، بل يستضيئون بأنوار خالقِهم وخالقِ الكائنات من حولهم، ليتمكَّنوا من استخدام الكائنات فيما يرفع قدرَ وشأو الإنسان على الحقيقة، وما يخدم أبدَه وخلودَه الذي وهبه له الحق تبارك وتعالى في العالم الذي ينتقل إليه بعد هذا العالم الفاني عن قريب، فجاءت تبعيَّةُ الأنبياء صلوات الله عليهم حصناً للإنسان من أن ينزلق في تبعياتِ من لا يستضيء بنور الله ولا يؤتَمن من قبل الخلاَّق نفسِه ليكون قدوةً لعباد الله تبارك وتعالى. قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) [الأحزاب:21] وقال تعالى لنبيه ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) [آل عمران:31].
إذا علمنا ذلك فإن من الواجب علينا ترسيخُ هذا المفهوم بهذه النظرة الثاقبة الواسعة، وأن شرفَ الإنسانية وعلوَّها واستكمالَها لمنافع المعاش والمعاد لا يمكن أن تقوم إلا بأخذِ منهج الله وتمكين القدوة محمد بن عبد الله
، وبذلك تنتهي الأطروحات الكاذبة في إقامةِ قدواتٍ وأسواتٍ يتحكمون في البشر فيتَّبعُهم غيرُهم في أفكارهم وفي مسارهم الخُلقي الدنيء وفي نظرتهم إلى شئون الحياة؛ والإنسان أسمى من أن يُستعبَد لإنسانٍ آخر أو لشيء من الكائنات الأخرى، وشرفُه وعزتُه أن يكون عبداً لله الذي خلقَه وخلق كل شيء..
كتب الله لنا ولكم التوفيق، وهيَّأنا بذلك لاستقبال شهرِ رمضان، وإن مما يعيننا على ذلك كثرةُ صلاتنا وسلامنا على النبي
دائماً وخصوصاً في ليلة الجمعة ويومها، وخصوصاً في شهر شعبان الذي في مثله أُنزِل قول الرحمن ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليما ) [الأحزاب:56] ، ألا وإن في هذه الصلاة على النبي وما تُنتجه من تقويم ذلك الفكر المضيء في فهمِ كرامة الإنسان وسموِّ تبعيته في كل ذلك حسنُ الاستقبال لرمضان، بلَّغنا الله إياه سالمين معافَين في صلاحٍ لأحوالنا والمسلمين والحمد لله رب العالمين.