بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مكوِّن الأكوان ومقدِّر الأقدار ومُسيِّر الزمان، وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه المصطفى سيدِ ولدِ عدنان، وعلى آله المطهَّرين عن الأدران، وصحبه الغُرِّ الأعيان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فنوجِّه كلمةَ شهر شعبان من العام السابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ونقول : إن مما يجب أن يشغلَ بالَ المسلم وعقلَه استعدادُه لرمضان، وإدراكه أنه شهرٌ خُصِّصَ بمزايا مِن قِبلِ الخلاق جل جلاله، وأرشدَتنا أحاديثُ السنة الغراء إلى عظيمِ ما فيه، ووجوب الاغتنامِ لِمَا جعله الرحمن سبحانه وتعالى منوطاً به في أيامِه ولياليه، وتلك ميزةُ المؤمن في الحياة، إصغاؤه لما أخبر اللهُ ورسولُه.
وبخصوص هذا الشأن فإنَّ شهرَ رمضان الذي أُنزل فيه القرآن يجبُ في الاستعدادِ له أن نراجعَ حالَنا وصلتَنا بهذا القرآن، وهذا يتصلُ بقضيةِ واقعِنا في الحياة.. ما الذي يشغلُ منا الأذهان؟ وما الذي يكثُر خطورُه على البال؟ وما الذي تشرَئبُّ إليه نفوسُنا وهِمَمُنا أن نسمعَه وأن نتأملَه؟
فمِن بين أخبارٍ شخصيةٍ للإنسان تتعلقُ بحياته الشخصية، ومن بين ما يدارُ في مختلف الأفكار والأخبار السياسية وغيرها على ظهر الأرض، تشتد أذهانُ كثيرٍ من الناس حتى يأخذَ كثيرٌ من هذه الشؤون فوق حقِّه ومستحقِّه، وفوق ما ينبغي أن يكونَ عليه، وكل ذلك يستحوذ على بالِ هذا الإنسان المسلم حتى يقلَّ حظُّهُ من الإهتمام بالقرآن والإنصات له والإصغاء إليه، وإلى السنة الغراء وما جاء عن نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فمن الإستعدادِ لرمضان أن نُبعدَ المبالغة في الإستماع والإنصات والرغبة في الإستماع والإنصات، وأن تهفو النفوس إلى التأمل وإلى التدبر لما يجري من كثير من شؤون هذه الحياة رجوعاً إلى وضعِها في محلِّها ونصابها، واعتلاءاً وارتقاءاً أن نجعل الانتباه والإصغاء وتوجُّه القلوب منا والنفوس إلى سماع ما قال الله ورسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وتدبُّر ذلك وتأمُّله مع التعظيم والإكبار والإجلال.
فلنبدأ بالقيام بوجهةٍ في هذه وخطوات مباركة يكون ذلك مِن الاستعداد لرمضان، ومِن عُمقِ الاستعداد لرمضان، حتى يأتي شهرُ القرآن وقد احتلَّ القرآن مكانةً لائقةً به في الصدور والعقول والقلوب منا، وحتى ينفتح لنا بذلك باب فهم فيما يُصلح معاشَنا ومعادَنا وحياتَنا وما بعد وفاتنا ودنيانا وبرزخنا وآخرتنا من خلال ما وجّه الحق ونبّه وعلّم وأرشد وأفصح سبحانه وتعالى ووصّى .
أيها الأحباب والإخوان ..
نقطةُ تقويم الذات هذه بتفقُّد الوجهاتِ والمراداتِ والرغبات في النفس أساسٌ في السير إلى الله، وأساس في فسح المجال لخطاب الله أن يصلَ موضعه، ولمنهج الله تعالى أن يُعمَل ويكون فعالاً في موضعه مِن ذات الإنسان قلبه وأعضائه .
فلنخطوا خطوات طيبة مباركة في هذا المجال، ولنُقبل على أن نحِلَّ التنزيل الكريم والقرآن العظيم منزلتَه من تعظيمِنا وإجلالِنا ورغبتِنا الصادقة في تأمل وتدبُّر ما فيه، وأن نخفِّف شدةَ التعلق بما لا يَعنينا وبالأخبار التي ينبغي أن تأخذَ مِن عقولِنا وقلوبِنا عينَ ما تستحق لا زيادة على ذلك .
ولنعلم أن ما بذلناه في تأمُّل كلامِ الرب ورسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم أثمر وأنور وأزهر وأجمل وأنجح وأربح بكل المقاييس والمعاني في الدنيا والآخرة، وذلك الذي يبقى وحده في البرازخ ثم يوم القيامة ثم إلى الأبد. فلنختر ما يبقى على ما يفنى ..
أخذ الله بأيدينا وألبابنا وعقولنا وقلوبنا إليه أخذَ أهل الفضل والكرم عليه، وباركَ لنا وللأمة في ليلة النصف من شعبان وفي بقية شعبان، وجعل رمضانَ المقبلَ شهرَ فرجِ للمسلمين وجمع لشملهم وغياثٍ لهم ودفعٍ للأسواء عنهم، وأتحفنا وإياهم فيه بالمغفرة والرحمة والعتق من النار وزيادةٍ مِن الفضل ما هو أهلُه.
والحمد لله رب العالمين.