كلمة شهر ذي الحجة لعام 1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، جامع الخلق ليوم لا ريب فيه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى، سيدنا محمد الأمين، الداعي إلى الله والدال عليه، اللهم صل وسلم وبارك وكرم على عبدك المصطفى، أكرم من لبى وحج واعتمر، وعلى آله الأطهار وصحبه الغرر، وعلى من سار في سبيلهم مقتفياً للأثر، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فإلى إخواننا من أهل الملة والدين؛ أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ نوجه كلمة شهر ذي الحجة الحرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولقد جعل الله تبارك وتعالى للموسم العظيم لفريضة الحج والشعيرة المعظمة؛ منافعَ وخيراتٍ ودروساً وعبراً كثيرة، ونقف عند تأمل أمرين اثنين من تلك الأمور العظيمة، في هذه الشعيرة المعظمة.
الأمر الأول: حكمة الاجتماع وسر اجتماع الأجساد في مكان واحد، وتحت شعار واحد، وتأثير ذلك على اجتماع القلوب، وإقامة الأساس الذي يحسن ويصفو ويطيب ويتم ويكمل به الاجتماع والترابط والتآخي، وهو أساس التلبية لله، والاجتماع على إجابة نداء الله، والطلب لمرضاة الله.
وإذا اجتمع القلب على الله تبارك وتعالى؛ أورثَ ذلك تطهُّراً في ضمير الإنسان ونيته ومقصده عن كل ما يخالف الشرع، وعن أن يُؤسَر لأي غرض أو مطمع يؤدي إلى بُغض الخلق بغير وجه الشريعة، أو إلى إيصال الأذى إلى أحد منهم، أو إلى حسد أحد منهم أو الحقد عليه، أو إلى التكبر على أحد منهم، أو غش أحد أو خيانته.
والتنزه عن تلك الأمور أصل عظيم في إقامة وحدة المسلمين وتآخيهم وترابطهم واجتماع كلمتهم؛ فعلى أهل الملة من حجاج ومن غير الحجاج الذين لم يحجوا هذا العام من أهل لا إله إلا الله؛ أن يأخذوا النصيب من هذه المنافع والحِكم والدروس المهمة في هذه الشعيرة؛ ليشارك الحاضر بقالبه وقلبه، والذي لم يحضر بالجسد ليشارك بقلبه دون قالبه، وليأخذ كلٌّ معنى التنزه عن تلك الصفات المؤدية إلى تشتيت وحدة المسلمين وتفريق صفهم، وليبعث من باطنه حرصاً بالغاً شديداً على أن يسهم في وحدة أهل هذه الملة وفي اجتماع كلمتهم، متفرعاً كل ذلك عن اجتماع قلوبهم على إجابة نداء إلههم وخالقهم، تحت راية الائتمام بنبيِّهم وهاديهم ومرشدهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، مستعملاً في تحقيق ذلك وسائل تنزُّهِه في الباطن عن الأغراض التي تحمله على سوء الظن، أو على سوء المعاملة، أو على استتباع خاطر حقد أو حسد، أو كبر أو غش، أو إيصال أذى لمسلم. وليضف إلى ذلك لين الكلام، وإطعام الطعام، على حسب مُستطاعه في الحس والمعنى.. وذلك من مظاهر بر الحج ومن فوائده، وهو مما يساعد بقوة على إقامة هذه الوحدة، وهذا الاجتماع القلبي. وينبغي لأهل هذا المسلك أن لا يسمحوا لمختلف الحوادث في الحياة أن تصدهم عن هذه الأصول والأسس الثوابت التي لا تتغير.
ثم بعد ذلك الأمر الثاني الذي نتحدث عنه: هو سر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فإن نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه جعل في مناسكه: خطَبه التي ارتبطت بالمناسك، ودوام تعليمه، واهتماماً بالغاً بما يصلح الله تبارك وتعالى به شأن الأمة، وبما يؤدون به الأدوار في ذواتهم، وفي محيط الأسر، والعلائق بين النساء والرجال، وفيما يؤدون به المهمة من البلاغ عنه صلى الله عليه وآله وسلم، والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وفيما يتعاملون به مع مختلف الطوائف من أهل ملل الكفر وعامة الخلق.
فيجب أن ندرك أن من مهماتنا في الدين أن تحمل قلوبنا هموم البلاغ عن الله تبارك وتعالى، والتحقق بالدعوة إلى الجبار جل جلاله، وبذلك ندرك شديد التقصير في انحصار أنظارنا وأفكارنا عن أن تمتد إلى واجب القيام بالبلاغ لمختلف الفئات الذين على ظهر الأرض، حتى المعاند المضاد منهم؛ لا عذر لنا أن نترك دعوتَه إلى الله مهما قدرنا عليها، كيف وفي العالم من مختلف المقصِّرين من المسلمين ومن مختلف فئات الكفر من يمكنه استقبال البيان والبلاغ، ويمكن أن يؤثر فيه ويكون سبباً لإقباله على الله تبارك وتعالى في مختلف الطوائف، مع شدة ما تعانيه الأمة من وسائل الإضلال والإفساد؛ فلا تزال القلوب والفِطَر صالحة لأن تتأثر بصوت الحق والهدى، وأن يأخذها جمالُ دين الله ومنهج الله وسنة رسول الله إذا عُرِضت لهم على أوجهها القويمة الكريمة الصحيحة الحسنة الجميلة الطيبة.
فيجب أن نحيي حقيقة هذا الاهتمام بأمر البلاغ عن الله تعالى ونربي عليه أبناءنا وبناتنا، ونجعله ديدناً ودأباً لرجالنا ونساءنا، وأن نفكر في مختلف الوسائل لإيصال صورة الحق والهدى على وجهها الأجمل إلى من حوالينا، واستنقاذ مختلف أهل الزيغ والضلال ممن أسلم وآمن، وممن لم يدخل إلى دائرة الهدى بعد ممن كذب وكفر.
نسأل الله أن يعيننا على حسن النظر في هاتين القضيتين والأمرين الهامين، ويرزقنا الاستفادة من الموسم المبارك، استفادةً تتناسب مع عظمة ما وجهنا، وبعث إلينا به رسوله المصطفى، وما جعله من الحكم الكبرى في هذه الشعيرة العظمى، وبالله التوفيق.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.