بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، مَن بيدِه الأمرُ كلُّه وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، فاز مَن رضيَ عنه وربحَ الوقوفَ بين يديه، وشقيَ مَن تولّى عن الله، وتولّى اللهُ عنه فخابَ ساعةَ العَرضِ عليه، وصلى الله وسلَّم على عبدِه المصطفى خير داعٍ إليه ودالٍّ عليه وعلى آله وصحبه، ومَن سار في ركبِه ودربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعدُ ...
فإلى إخواننا وأحبابنا في الله تبارك وتعالى في مختلف الأقطار والأماكن:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
ونرفع إليكم كلمة شهر ذي القعدة من العام السابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..
ونقول: إننا أمامَ كلِّ ما يجري في العالم من أحداث، ويكثرُ الحديثُ عنها والسماع كذلك عنها، وربما كان بأنظارٍ وصورٍ مختلفة ومتباينة ومتعددة ..
أيها الأحباب في الله تبارك وتعالى، إن الذي تجري كلُّ هذه الأشياءِ بقُدرتهِ وإرادتهِ وتصرُّفه وألوهيته وربوبيته هو الإله الواحد الحيُّ القيوم جل جلاله وتعالى في علاه، وإنه إنما ينظرُ من جميعِ المكلفين إلى قلوبهم، وأنه على حسب ما يكون في تلك القلوبِ تكون أحوالُهم في أقضيتِه وأقدارِه جل جلاله وتعالى في علاه.
ألا فأحسنُوا التوقَّفَ والتأملَ والإنصاتَ والاستماع، فإننا نحب أن ينظرَ الحقُّ تعالى إلى قلوبِنا وقلوبِ كلِّ مَن والانا في الله خاصة، وقلوبِ جميعِ المؤمنين والمؤمنات إلى ما يرضاه وإلى ما يحبه، وإلى ما يكون سبباً لرأفته ورحمته وتحويله الأحوال إلى أحسن حال
فنقول:يجب الإعتناء بثلاثة أشياء: المسموعات والمنظورات والمنطوقات..
يجب أن يكون لنا همةٌ في خلال هذا الشهر الأول من الأشهر الحُرُم السَّرْد، ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، ندينُ اللهَ تعالى بحُسن مراقبةٍ للمنظورات والمسموعات، نصفِّيها، نصفِّي المنظورات لنا والمسموعات لنا ولأهلينا ولأولادنا، نصفِّيها تصفيةً حسنة عن كل ما لا يحب الله..
وذلك بِغضِّ الطرفِ، والبُعد عن مواطنِ المنظورات المحرمة ووسائلها والمكروهة كذلك، فنُنَزِّهُ أبصارَنا عن نظرِ العورات والنظر إلى المحرمات، والنظر بعين الشهوة المحرمة في دين الله وشريعة الله، والنظر بعين احتقار لمسلم، والنظر إلى زخارف الدنيا باستحسانٍ، ننزِّهُ أبصارنا عن ذلك، وننَقِّي منظوراتِنا، ونستعمل النظرَ بعين الرحمة والشفقة إلى المؤمنين خاصة، والحرص على الهداية للخلق عامة، ونُبعِد عن أنفسِنا، وننأى عن كل منظور غير لائق، يتناقض مع الشرع أو مع المروءة والأدب، أو مع صدقِ إرادةِ القُربِ من الله.
والمسموعات.. ننقِّي ونصفِّي المسموعات لأنفسنا وأهلينا وأسرنا، ومن يدخلُ تحت دوائرنا ويصلُ إليه تأثيرُنا أو قدرتُنا، فننزِّه ونصفّي مسموعاتِنا ومسموعاتِهم عن أن أنواع الإثم والباطل والضلال والسوء والفحش والغيبة والنميمة والكذب.. وما إلى ذلك .
فإنَّ السمعَ والبصرَ بابان مفتوحان إلى القلب يصيرُ إليه كلُّ ما وصل إليهما، فكلُّ ما وصل إلى الأذن ووصل إلى العين يصير إلى القلب، ويصل إلى القلب، ويؤثر في القلب إما سلباً وإما إيجاباً، فإذا تنزّهتِ المنظوراتُ مِن سلبيات الأثرِ للنظر، وإذا تنزَّهت المسموعات سلِمنا مِن الأثر السلبي للسمعِ الواصل إلى القلب .
وقد جمع اللهُ القلبَ مع هذين الإثنين في آيةٍ في قوله ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )
أما الثالث فهو الملفوظات والمنطوقات، ما يخرج من ألسنتنا، فإنه مِن أقوى المؤثرات على القلوب.. الملفوظات، كما أنها عنوان لما في القلوب، فهي أيضاً مع ذلك مؤثرةً على القلب سلباً أو إيجاباً، فهي تحكي ما في القلب وتزيد إن كانت طَيِّبةً طِيبةَ القلب، وان كانت خبيثةً خبثَ القلب.
إذا علمنا ذلك فإننا نحبُّ أن نقومَ بهمة ونهضة وعزيمة في خلال الأشهر الحُرُم هذه التي استقبلَتنا بداية من شهر ذي القعدة بتصفية المنظورات والمسموعات في أجهزتنا وديارنا والمكتوبات لدينا، وتنقيةِ ألفاظنا وانتقاءِ ما نتلفَّظ فيه ونتخاطب مع ذا وذاك، رجاءَ أن تصفوَ بذلك قلوبُنا فيرى اللهُ ما يرضى به فيها، ويكون ذلك من أقوى أسباب كشف الغمة والشدائد عن الأمة، وجمع قلوبهم على الخير ودفع الشر عنهم.
أعاننا الله وإياكم، وأمدَّنا بتوفيقه للقيام بهذا الأمر العظيم، وثبَّتنا وإياكم على الصراط المستقيم..
ونستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.