كلمة شهر ربيع أول 1439هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُوجدِ الوجودِ لِحَكمٍ عظيمة، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، أعطى المكلَّفين في هذه الدار مواهبَ من الإرادة والاختيار، تترتب عليها أمورٌ في العواقبِ في الدنيا والآخرة عظيمة. ونشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، أكرمُ مَن صرفَ المرادَ والاختيار في تحقيقِ العبوديةِ للملكِ الجبار، وخضع لِجلالِه، وذاقَ أعلى لذَّاتِ وصالِه، وخُصَّ بأجزلِ إفضالِه ونوالِه.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك الذي قال: إنما أنا عبد أكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. والذي قلتَ عنه: ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) وقلتَ عنه: ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) وقلتَ عنه: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
وصلِّ معه على آلِه وأهل بيته الأطهار، وصحابتِه الغُرِّ الميامين الأخيار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد .. فإلى أحبابنا في الله تبارك وتعالى وإخواننا في الله جل وعلا حيثُما كانوا وأينما ما كانوا ..
نُقدِّمُ كلمة شهر ربيعٍ الأول للعام التاسعِ بعدَ الثلاثينَ والأربع مائةِ والألف من هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ونبدأُها بالسلام عليهم أجمعين ورحمة الله وبركاته..
فعليكم أحبابنا وإخواننا سلام الله ورحمته وبركاته..
في كل لمحة ونفس عدد خلقِ الله، ورضا نفسِه وزنةَ عرشِه ومدادَ كلماتِه..
ثم نقول: إنه يجبُ ويتحتَّمُ علينا ويلزمُنا في هذه الذكرى لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومولده بيننا أن نقيمَ أمراً عظيما مهمًّا وهو: أن نُحْكِمَ شأنَ الاقتداء؛ ليصحَّ وتتحققَ قيادَتهُ إيانا؛ نُحْكِمُ الاقتداءَ به لتصحَّ قيادتُهُ لنا، وإمامتُه لنا، عليه الصلاة والسلام في الأحوال والشؤون كلِّها. وبذلك نستمطر رحمةَ الله، ونستنزلُ غياثَ الله وفرجَه لنا وللأمة.
وإنما نقيمُ حسنَ الاقتداء، ونُمَكِّن أنوارَ النبوة والرسالة مِن قيادتِنا في أحوالِنا بأمورٍ:
أولها: كمال التعظيم والإجلال، في أن نُثَبِّتَ ونرسخ نقوي في أنفسنا عظمةَ الله جل جلاله، وأنه أكبر، وأنه لا إله إلا هو، وأنه اصطفى واختار وانتخب هذا المجتبى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فلا أكرمَ عليه منه، ولا أحبَّ إليه منه، ولا أشرفَ لديه منه، ولا أجلَّ عنده منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبذلك يلزمُ أن يكونَ كلُّ ما تصورنا عن العظمة في مخلوق والجلال والجمال والكمال؛ فهو دون حقيقةِ عظمةِ محمدٍ وجمالِه وجلالِه وكمالِه؛ لمحلِّ اصطفاءِ الحق له. وأن الذي اصطفاه هو العالِم بكلِّ شيء، المطلع على كل شيء؛ وحينئذٍ نقطعُ أنه الأكرم في الخلق على الإطلاق، والأعظم في الخلق على الإطلاق.
بهذا الأمر الأول؛ الإعظامُ والإجلالُ والاكبار، وهو المقترن بالإيمان في قول الله : ( الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ).
يأتي أيضا الأمر الثاني، وهو: علمٌ وإدراكٌ ويقين، أن ما دعانا إليه ودلَّنا عليه وأمرنا به هو الصواب وهو النجاح وهو الفلاح؛ أنه لا يمكن أن يُزاحمَه في ذلك فكرٌ ولا طرحٌ لأحد من الأولين أو الآخرين، من أهل الشرق ومن أهل الغرب، بكلِّ المعاني وبكلِّ المستويات؛ فنُوقِنُ أنَّ ما دعانا إليه ودلَّنا عليه هو الأصلحُ والأنجحُ والأفلحُ والأربحُ والأتمُّ والأقوم.
وبهذا العلمِ والإدراك إذا قَوي ورسخ وصار يقيناً ينتج الأمر الثالث، وهو: حرصُنا على سننه وإحياؤها في أنفسنا وأهلينا وأولادنا وجيراننا وقراباتنا، وفي تعاملنا مع المسلم وغير المسلم، ومع الجيران ومع الأرحام ومع الأهل والأولاد، ومع مختلف أصناف الناس. عملُنا بما دعانا إليه وإحياؤنا لسنته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وتطبيقُنا لهديه وحسنُ اقتدائنا به؛ يُمَكِّنُ ذلك أن يكون القائدَ لنا بالفعل والواقع والحق هو لا غيره.
فتكون تبعيتُنا لصحابته ولأهل بيته ولأئمة أهل شريعته ودينه تبعيةً له؛ وتبعيتُنا له طاعة للرب ومرضاة للرب وقرب للرب، بل محبة للرب، بل محبة مِن الرب.
فإذا عرفنا ذلك انطلقنا بقوة في حُسنِ التطبيق، وانقطعت عنا تأثيراتُ مَن يطلب قيادتَنا غيره، مِن نفوسنا وأهوائنا وشهواتنا ومن شياطين الإنس والجن ومن مختلف الخلائق.
وبذلك نُرضي الخالق، الذي اختاره ليكون لنا قدوة وليكون لنا أسوة، وليكون لنا متبوعا، ووعدَنا على ذلك محبتَه جل جلاله؛ أن يحبَّنا إذا اتَّبعنا حبيبه عليه الصلاة والسلام.
فنحتاج أن نلاحظ هذه الأمور الثلاثة: نقوي ونرسخ شؤون التعظيم والإكبار والإجلال على الوجه الذي أراده منا الله وأحبه منا الله ويرضي الله عنا.
ثم نستبعثُ اليقينَ والإدراك أن الخيرَ في ما دل عليه وأرشد إليه؛ فنستبعث بذلك مِن الهمم والعزائم لحسن التطبيق والتنفيذ لأوامره، ولحسن الاقتداء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونُحيي هذه السننَ المتعلقةَ بأشخاصنا وبأُسرنِا وبعلائقنا مع القريب ومع البعيد، ونُفَعِّلُهَا في واقع حركتِنا في الحياة، ونُقَّوي ذلك.
وكل ذلك -كما أشرنا في المقدمة- أسبابٌ قويةٌ لحصول الفرج من الله، وكشف الغمة عن هذه الأمة، واستنزالِ رحمة الله وغياثِ الله لعباده، وردِّ أصناف الشرورِ والبلايا والمحذور، وسلطةِ أهلِ الشرِّ والظلم والعدوان على ظهر هذه الأرض.
فبارك الله لنا ولكم في هذه الذكرى، وفي تقويم شأن القيادة لحبيب الله سيد السادة، في أحوالنا وأقوالنا وأفعالنا، ومقاصدنا ونياتنا، وتصوُّراتنا ونظراتنا وجميع شؤوننا
( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )
( إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
جعلنا الله وإياكم مِن خواصِّهم في عافية، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.