09-2018
17

كلمة شهر محرم 1440هـ

كلمة شهر محرم 1440هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ الليالي والأيَّامِ والأسابيعِ والشُّهُورِ والأعوامِ، ربِّ كُلِّ شيءٍ ومَلِيكِه، ونشهدُ أن لا إِلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه، منه مبتدأُ كُلّ شيءٍ وإليه مَرجِعُهُ ومَصِيرُهُ؛ ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعينِنَا ونُورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وصَفِيُّهُ وخَلِيلُه، ختمَ به النَّبِيِّينَ وجعلَهُ سيِّدَ المرسلينَ، وجَمَعَ فيه المَحَاسِنَ والفضائلَ ومَكارِمَ الأخلاق.

 اللَّهُمَّ أَدِم صلواتِكَ على عبدِكَ المصطفى سيِّدِنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِهِ، وأهل مَحَبَّتِهِ وقُربِهِ ومَوَدَّتِهِ، وآبائهِ وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلينَ، وآلهِم وصحبِهم أجمعينَ، وملائكتِك المقرَّبِين، وجميعِ عبادِك الصالِحين.

       وإلى إخوانِنا في اللهِ تبارك وتعالى، ومَن يُقبِلُ على اللهِ ومَن يَسمَعُ ما يُلقَى:

 السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاته..

      بَارَكَ اللهُ لنا ولكم وللأمَّةِ في العامِ الهِجريِّ الجديد، العام الأربعينَ بعد الأربع مائة والألف مِن هجرةِ سيد المرسلينَ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ونقولُ:

إنَّنا في استقبالِ هذا العام وهذا الشَّهرِ الأولِ مِن العام يَجِبُ أن نُحسِنَ النَّظَرَ ونُعمِّقَهُ في أحوالِ قُلوبِنا وشُؤونِنا مع اللهِ تباركَ تعالى، فذلك الأمرُ الأعظمُ الذي مِن أجلِهِ خُلِقنا والمُهمَّةُ الكبرى التي مِن أجلِها كانَ هذا التَّكوين.

وتَحصُلُ الغفلةُ كثيراً لضَعْفِ التأمُّلِ وقِلَّةِ التَّعمُّقِ في تَفَقُّدِ هذا الحالِ، وفي شأن القلبِ والحالِ مع الرحمن سبحانه وتعالى، حالُ العبدِ مع مولاه، ونظَرُه يَنْصَبُّ إلى قلبِهِ.. فماذا يَقْطُنُ فيه مِن رُتبَةٍ ومُستَوَىً وقَدْرٍ مِن الإيمانِ؟ وكيفَ يَزدَادُ ويَقوَى في مَرَاتِبِ عِلْمِ اليقينِ وعَيْنِ اليقينِ وحقِّ اليقين؟ وكيفَ ترسَخُ وتَثْبُتُ فيه الصِّفاتُ المحبوبُة للهِ، مِن حضورٍ معه، مِن إخلاصٍ لِوجهِه، وصِدقٍ معه، وإنابةٍ إليه، وخشيةٍ منه، ورجاءٍ فيه، وتذلُّلٍ بين يديه؟ كلُّ هذا يحتاجُ منَّا إلى أن يُقَوَّى.

 كما نبذلُ الجهدَ لاستِئصالِ بقايا آثارِ ما لا يحبُّه الله تبارك وتعالى مِن الكِبرِ، والرياء، والعُجُب، والغرورِ، والحقدِ، والحَسَدِ، والالتفات إلى ما سواه جل جلاله.  

 فهذه النقطة الأولى التي نُذَكِّرُ بها أنفسَنا وإخوانَنا هؤلاء في هذا العالَم، وهذه الفرصة من العمر الذي نحيَاهُ مُدَّةَ التكليفِ مُشَرَّفِينَ بِنَبَأ زَيْنِ الوجود صلى الله عليه وسلم ووحي اللهِ إليه.

      والنقطة الثانية وهي بها متعلِّقة، ونَنُصُّ عليها لمَكانتِها وأهميتِها، وهي: تقويمُ وتقويةُ الاستنادِ إليه والاعتِمادِ عليه جل جلاله وتعالى في علاه، والثِّقَةُ به، والرُّكونُ إليه، والتَّعويلُ عليه في شأنِ إخراجِ كُلِّ علائقِ الاستنادِ على ما سِواه، والتعلُّقِ بمن عَدَاه مِن القلبِ أصلاً واستئصالُها، مع قيامِنا بالأسبابِ وبذلِ الجُهدِ والوُسْعِ، ونحذر أن يُخالِطَ ذلك ركونٌ إلى غيرِ الله، واعتمادٌ على غيرِ الله، واستنادٌ إلى سِواه. ونحتاجُ أن نُقَوِّيَ التجاءنا إليه، واستنادَنا إليه، وتعويلَنا عليه، وتوكُّلَنا عليه، وثقتَنا به، ولُجوءَنا إليه ؛ ويَصحَبُ ذلك كثرةُ التضرُّع والابتهالِ إليه.

       والنقطةُ الثالثةُ مُتصلةً بالنُّقطتينِ ومساعِدةً على تقويتِهما، وهيَ: النظرُ في ذُكْرِيَاتِ العامِ من الهِجرةِ النبويةِ، ومِن قصَّةِ سيِّدِنا موسى، وأخبارِ فرعونَ وما حَلَّ به؛ ونحنُ نستقبِلُ ذِكْرَى عاشوراء، وما يلحقُ ذلك من الذُّكْرَيَاتِ. فإنَّنَا في حاجةٍ شديدةٍ لا لأن تَمُرَّ على أذهانِنا مروراً أخبارُ هذه الذُّكْرَيَاتِ وشؤونُ هذه القصص؛ ولكن لِتَجِدَ مجالَها في التَّعَمُّقِ في أذواقِنا، ومشاهدِنا، وأحاسيسِنا، ومشاعرِنا، وتفكيرِنا. فنحتاجُ إلى إحياءٍ للذُّكْرَياَتِ في أنفسِنا وأُسَرِنَا وأولادِنا وأهلينا وربطٍ لهم بهذه المعاني؛ تخفيفاً لما يُدَاهِمُ ويَطرَأً على أذهانِهم وعقولِهم من مُتَنَوَّعِ الأخبارِ والأطرُوحاتِ التي يكثرُ فيها الضُّرُّ وحصولُ القَسوة. فلنُخَفِّف عليهم مِن ذلك بأن نطرحَ على أذهانِهم معاني هذه القِصَص والذُّكْرَيَاتِ، ونقَوِّيهَا في أنفسِهِم، ونفسَحُ لهم بابَ التأمُّلِ فيها، والتعمُّقِ في تدبُّرِ معانيها.

      بمِثلِ ذلك أيها الأحباب نستقبِلُ عاماً جديداً ننتَظِرُ فيه مِن جُودِ اللهِ أمراً كبيراً، ونأمَلُ فيه مِن جودِ اللهِ دفعاً ورفعاً لأنواعٍ من البلايا والشرورِ والآفاتِ والحروبِ الكروبِ والفِتَنِ التي حلَّت بكثيرٍ من المسلمينَ في كثيرٍ مِن الأقطارِ.

      نَظَرَ الله إلينا وإليكم، وأخذَ بأيدِينا، وثبَّتَنا على ما يُحِبُّهُ مِنَّا، وتولَّانا بما هو أهله في الحِسِّ والمعنى.

        ونَختِمُ بأن نتذكَّرَ وِردَنَا مِن القرآنِ ونصيبَنا مِن الأذكارِ في أنفسِنا، وما يتعلَّقُ كذلك بأهلينا وأولادِنا، فلنَحرِص على ذلك ولِنُحْيِهِ، ولنِدُاَوِم عليه. جعلَ الله ذلك حِصْناً لنا مِن جميعِ الآفاتِ وبلَّغَنَا فوقَ الأمنياتِ، وجمَعَنَا وإيَّاكُم في رفيعِ المَراتبِ، مع خواصِّ مَن وفَّرَ حظَّهم مِن الكَرَمِ والمواهِبِ.

 ونستودعكم اللهَ الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.