بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المبعوث بالحق والهدى سيدِنا محمدٍ الأمين، وعلى آله وصحبه الغرِّ الميامين، وعلى سادتنا الأنبياء والمرسلين وآل كلٍّ منهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين.
أما بعد: فإلى أحبتنا وإخواننا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزفُّ التهنئةَ بالشهر الكريم المبارك شهر رمضان جعله الله من أبركِ الرمضانات علينا وعلى أمة هذا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. ونحوم في كلمة هذا الشهر الكريم حول وجوب شهود العظمة والنعمة وحسن القيام بالخدمة، فإننا في الشهر الذي نتذكر فيه عظمةَ المرجعية ]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[ فبإهلاله تتذكر الأمةُ مصدرَ تشريعِها، تتذكر مرجعيَّتَها في أخذِ النظرات والإنطلاقات في الحركات والسكنات في خضم هذه الحياة.
وعلوُّ هذا المصدر وعصمتُه وجلاله وعظمتُه يقتضي أن يكونوا على كمال ثقةٍ وعظمة صدقٍ في الإقبال، وطمأنينةٍ تامة، لأنه لا يوجد في المصادر التي تقوم عليها انطلاقات الناس لا في الفكر والنظر ولا في الحركة والسكون أعلى ولا أسمى ولا أجل ولا أكبر من هذا المصدر وهذا الأساس، بل ولا ما يدانيه ولا ما يقاربه ولا ما يشابهه. إذاً فهي قضيةُ حق أمام أنواع الباطل، فحُقَّ لأهل الحق أن يعرفوا المنةَ عليهم ويستشعروا العظمةَ في مرجعيتهم وفي مصدر التشريع لهم ومصادر وأسس انطلاقاتهم في الفكر والنظر، وفي القول والفعل والحركة والسكون في هذه الحياة.
هذا الشعور الذي يتماوت عند كثير من المنتمين لهذا الدين رجالاً ونساءً يجب أن يُحافَظ عليه، يجب أن يحيى عند من مات عنهم، وأن نستشعر هذه العظمة التي أنعم الله تبارك وتعالى بها علينا بنِسبتنا إليه وإلى شريعته وإلى دينه وإلى منهجه، في الوقت الذي تفرَّقت فيه أهواء الناس لكثيرٍ من المصادر، كلُّها راجعة إلى نفسياتهم وعقلياتهم البشرية التي لا يفارقها النقص والقصور والخطأ.
بهذه المنة العظيمة نستشعر الصلة بالقوة العظيمة قوة الإله الذي لا يكون شيءٌ في الكون إلا وهو تحت قهره، الإله الذي لا يُغلب ولا يُقهر جل جلاله، الإله الذي بيده ملكوت كل شيء، ما أعظم نعمة الصلة بهذا الإله، ثم إنه بعد استشعار هذه العظمة فيما آتانا الله وأنعم به علينا من نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة وجود هذه المرجعية والمصدر الذي ننطلق منه. نحن أيضاً في واقع الحال نعيش في بحبوحة من الإفضال والإحسان الرباني علينا في كثيرٍ من أحوالنا وشئوننا، فلا ينبغي أن يُغفلنا عن ذلك كثرةُ ما نرى من وجود شدائد ومصائب وتأخُّرات وجهالات وضلالات على ظهر الأرض، إنه مع وجود كل ذلك أمامنا نِعمُ هذه الصِّلات وأمامنا تيسيرات وتسخيرات وتدبيرات عجيبات من رب البريات، وقدرات وإمكانيات نستطيع بها أن نقيم أمرَ الله تبارك وتعالى وأن نحظى بالارتقاء في الدرجات العلية في خلال هذا الزمن الذي نعيشه والوقت الذي نحياه.
إننا مع كل ما هو حاصل في الزمن والوقت متاحةٌ لنا وسائل وظروف وإمكانيات كثيرة للتصفية للتربية للتزكية للعلوِّ للقرب من الحق تعالى للإصلاح للنفع لعباد الله تبارك وتعالى، لحيازة أسرار القيام بالخلافة عن الإله الخالق جل جلاله]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[ كل هذه في جوٍّ كم يعيش فيه منا من يعيش معشر الأمة في أمن، في طمأنينة، في استقرار، في قدرةٍ على الالتقاء، على الاتصال، على التخاطب، على التزاور، على التشاور، على التعاون.. كل هذه إمكانيات مُتاحات أين استثمارها؟ أين القيام بحقها؟ أين اغتنامها؟ أين أداء شكرِها..؟ كل هذا ينبغي أن يكون منا على بال فنستشعر العظمة ونستشعر النعمة ونقوم في كل ذلك بحسن الخدمة.
نقوم بحسن الخدمة في توصيل الخير في التواصل مع أهل الخير في تربية النشء في الإسهام في استخدام الوسائل المختلفة المؤثرة لما يربي ويزكي وينفع ويقرِّب ويوضح الحقيقة، وبما نخدم به خلافةَ الله تبارك وتعالى في هذه الأرض، فينبغي أن يكون لنا في رمضان نظرٌ واسعٌ في تحقيق شهود العظمة والنعمة والانطلاق بحسن الخدمة؛ وكلٌّ يحسن الخدمة من خلال بيته وداره وأسرته ومن خلال جيرانه وأصحابه وأصدقائه، ومن خلال ما يستطيع قراءته من الكتب النافعات واستعماله من الوسائل في النافعات أيضا، ومن خلال عِمارة العمر والوقت، ومن خلال التواصل ومن خلال التكاتف، ومن خلال التعاون.. وكل ذلك متاحٌ لنا وفي متناول أيدينا فكيف نجحده وننساه لما نرى من آثار الشدائد الواقعة والخلافات والتنازعات والجهالات والضلالات، كل ذلك لا مبرر فيه أن نتناسى المننَ الواقعةَ فينا والنِّعم المتاحة لنا والفرصَ التي بين أيدينا، ويجب أن نغتنم كلَّ ذلك وأن نتذكر نبيَّنا في رمضان واجتهادَه فيه، وما مظاهر اجتهادنا اقتداءً به ومحبة له واهتداءً بهديه؛ وما حصل من إنزال القرآن في رمضان لتتجدَّد الصلة بالمصدر الأسمى في انطلاقتنا في الحياة وهو كلام الله جل جلاله، ثم ما كان من صوم هذا النبي.. ومن غزوة بدر.. ومن غزوة الفتح.. ونترجى بذلك في مشاعر نمتلئ بها معانٍ تحصل في زماننا من مواصلة الحق تعالى من أسرار تلك المواقف التي أبرزَها وأظهرها، والمنن التي نشر راياتها لنبينا في مثل هذا الشهر الكريم.
اللهم اجعله من أبرك الشهور علينا وعلى الأمة،
وارزقنا أداء الواجب بكل ما نستطيع..
وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم والحمد لله
رب العالمين.
(استمع إلى الكلمة)