12-2007
16

كلمة شهر ذي الحجة الحرام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمدٍ المرسل رحمةً للعالمين بشيرا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.. اللهم أدِم صلواتك على عبدك المجتبى منقذِ البشرية من ظلمات وضلالات الشرك والإجرام والشتات والانقطاع عنك وموجب الخلود في سخطك، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه..

     أما بعد: فإلى إخواننا من أهل الملة ودين الحق في جميع الأقطار نزفُّ التهنئةَ بعيد الأضحى المبارك، جعله الله من أبرك الأعياد علينا وعلى أمة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أجمعين..

     وفي كلمة شهر ذي الحجة المبارك نشير إلى نقطتين أساسيتين:

     نقطة تهذيب السلوك ونقطة تقويم الفكر.. وذلك أنه لم يعُد في ما يتلقَّون ويلاقون في المدارس وفي الاجتماعات وفي المجالسات ما يكفي لتخليصهم من غلبة الصفات السيئات والنزوات ودواعي الفسق والفجور من قِبَل النفس وخواطر الشياطين من الإنس والجن، في الوقت الذي تكاثفَ فيه ما يدعو إلى الانحلال والاختلال والانسياق وراء دواعي الانحطاط والتردِّي وغلَبة الأنانية والأطماع والشهوات، وما ينمِّي في النفوس الحقدَ والكراهيةَ واستعمالَ المكر والخديعة للوصول إلى الأغراض؛ في كل ذلك صار واجب التهذيب لهذا السلوك والتقويم مجمَّدًا أو ضعيفًا أو مغفولاً عنه في حياة الأكثر منا معشر الأمة.

     ومن آثار ذلك وجود زخمٍ مما يُعرض مكتوبًا ومسموعًا ومرئيا ينشأ اعوجاج في التصور والفكر في الأشياء، وكلا هذين الأمرين فيما يتعلق بجانب السلوك والفكر والتصور مهدِّدٌ عند إهماله بأخطارٍ كبيرة تتعلق بواقع الأمة وتعود على مناحي حياتها ومتنوع شئونها في هذا العالم والأوضاع السائدة فيه؛ فيجب على الدوام أن يبقى عالقًا بأذهان أولياء الأمور والعقلاء والحكماء وكل ذي قدرة على التأثير بالأسلوب الحسن أن يبقى لديهم على الدوام الانتباه من أداء هذا الواجب الذي اشتدت إليه حاجة الأمة ليحموا حصونَ هذا الدين ويسدوا ثغراتِ المفسدين وليسهموا في تجنيب الأمة أخطارًا داهمةً شنيعة، ومع أن هذا الواجب لا يتقيد بوقت مخصوص إلا أن في أيام الإجازات المدرسية بالنسبة للناشئة إمكانية أكبر للجلوس معهم والتحدث معهم وترتيب بعض وقتهم ولخطابهم الخطاب الحسَن المتَّزن المستوعب النافذ إلى قناعاتهم وعقولهم وقلوبهم، فأحببنا التنبيه على اغتنام أيام الإجازات في هذين الأمرين، وأمامهم لذلك الوسائل الكثيرة من المحادثات والمجالسات واختيار الكتب والأشرطة أو الحلقات التي تُعقد ونوعيات المدرسين والمُجالسين.

     ثم إننا نشير مع ذلك إلى أنه يجب أن يُتَّخذ من الأعياد كمثل عيد الأضحى المبارك فرصة طيبة لنشر تحقيق الأخوة والمودة بين الأسر والمجتمعات، وإحياء الإحساس والشعور بمعاني العيد المرتبطة بقضية المصير الأكبر وقضية الفرح بمغفرة الله تعالى للعبد وتجلِّيه بواسع الفضل في موسم الحج الذي تأتي العيد فيه بعد الوقوف بعرفة، وما حدثتنا عنه السنة من تلك التجليات ليرتكز في شعور الناشئة وأبناء المجتمع الإسلامي سمو المقاصد في الحياة وتميُّزها عن النظرة في أعياد كل الطوائف غير المسلمة، وقِصر نظرِهم عن الامتداد إلى هذا السمو المتعلق بشرف الإنسانية نفسها والمتعلق بالمصير الكبير الخطير وشئون الدوام والخلود والأبد؛ فأعياد أهل هذه الملة مرتبطة بالتخلص من موجبات العذاب الكبير وسخط الجبار الأعلى، مرتبطة بأمل ورجاء الظفر بغفرانه ورضوانه وأسباب الخلود في قربه مع أحبابه وأصفيائه إلى جانب ما تحمله الأعياد لنا من تذكير بجهود حسنة مباركة مبذولة في ميدان الخدمة السامية للإنسانية، والثبات على المبادئ العليَّة، وما يلحق بذلك من الذكريات الرفيعة..

     نسال الحق تبارك وتعالى أن يحيي تلك المعاني في قلوب الأمة، ويجعل ذلك من أسباب كشف هذا البلاء والشدائد الواقعة في الأمة، وأن يخلِّصها من الأسواء التي داهمتها، وأن يحوِّل حالَها إلى أحسن الأحوال، وجعلنا الله تعالى ممن يطيل أعمارَهم في طاعته ورضاه ويريهم في هذه الأعمار على صفحات واقع الأمة تحوُّلا إلى الأحسن وكشفًا للغُمم وجمعًا للقلوب، وصدقًا معه سبحانه وتعالى وهو علام الغيوب ..

وصلى الله على سيدنا محمد

وعلى آله وصحبه وسلم

والحمد لله رب العالمين