02-2009
28

شهر ربيع أول لعام 1430هـ

إلى إخواننا وأحبابنا في الله تبارك وتعالى مِن جميع مَن تصلهم الكلمة عبر هذا الموقع من المؤمنين والمؤمنات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وها نحن نواصل تجديدَ إلقاء الكلمات الشهرية مع تجدُّد هذا الموقع، وظهوره بكسوته الجديدة مع استهلال شهر ربيع الأول الذي حمل لنا ذكرى ميلاد نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، المولد الذي جعله الله في عالم الدنيا وعالم الشهادة والحس أساساً وأصلاً لجميع الخيرات التي وصلت الأمة وحازَتها وبلَغتها ونازلَتها ووصلت إليها.

وذلك ما أشار إليه عم رسول الله العباس مخاطباً إياه بقوله:

وأنت لما ولدت أشرقت الـ              أرض وضاءت بنورك الأفقُ
فنحن في ذلك الضياء وذلك الـ          نور وسبل الرشاد نخترقُ

مع استقبالنا لشهر الميلاد، وتجدُّد مظهر الموقع نجدِّد التواصلَ بالكلمات الشهرية، فتستمر بإذن الله تبارك وتعالى في أوائل كل شهرٍ من الأشهر القمرية، لتكون رابطةَ تواصلٍ للتذاكرِ وتوجيهِ النظر والالتفات إلى ما هو أوجب وأهم في أدائنا حق العبودية لله تعالى في هذه الأعمار التي نعيشها والأوضاع التي نعايشها.

أيها الأحباب الكرام: يجب أن يتجدد فينا تقويةُ معاني القدوة برسول الله، وحلوله من قلوبنا وعقولنا محلَّ القيادة التي أحلَّه الله فيها وارتضاه لها، حتى يكون المُحتكَم إليه في جميع ما يشجر ويدور بين الناس، فقد أنزل الله عليه الكتابَ ليحكم بين الناس بما أراه الله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه: ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ) ونرى في هذه الآية كيف شملت الناس ولم تخص المؤمنين من بينهم، ولم يقل: لتحكم بين المؤمنين ولا بين أتباعك، ولكن قال: ( لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما ) والحقيقة أن هذه مهمة الأنبياء، ليحكموا بين الناس الذين في أزمنتهم أو تبلُغهم دعوتُهم، مع خصوصيةِ أن هذا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بُعِث لجميع الناس وحملَ رسالةً إلى جميع الناس من قِبَل رب الناس، دون غيره من الأنبياء، ولكن الله تبارك وتعالى جعل من مهمات الأنبياء على ظهر هذه الأرض أن ما نُزِّل إليهم يكون فيه الخير والصلاح للناس أجمعين، وإقامة والعدل والإنصاف وتجنيب بعضهم عدوان بعض وشرور بعض، كما دلت على ذلك الآيات، وقال سبحانه وتعالى: ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط ) وهذا ما يذكِّرنا أننا لإهمالنا روابط الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وإنزاله مكانَه من القيادة التي يجب أن تأخذ بأذهاننا ومشاعرنا وعواطفنا وعقولنا وقلوبنا إلى حُسن الانقياد له، لتقصيرنا في ذلك ذهلنا تماما وغفلنا، وربما أهملنا وهجرنا أن عندنا مهمةَ إنقاذ الناس من غيرنا أيضاً بهذا الشرع الذي جاء به هذا المصطفى والوحي الذي نزِّل عليه ( لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) فأتباعُه عندهم ما يخلِّص البشريةَ من وطآتها وشرورها، فيما يتعلق بمعاملاتها واقتصادياتها واجتماعياتها في مختلف شئونها، يُجنِّب من سمع منهم وأنصت وعمل وطآت الأزمات المختلفات التي تخالج البشريةَ من وقتٍ لآخر، ضرورةً من ضرورات الإعراض عن ذكر الله والخروج عن منهجه.

وعندنا مهمةُ أن نذكِّر الآخرين بأن لدينا الحلَّ لمشكلاتهم، ولتفادي الأزمات حتى لا تقع عليهم، غفِلنا عن ذلك لِما أغفَلنا من إحكام رابطة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وإحلالِه مكانه من القيادة التي ارتضاها الله له، فقال عنها: ( مَن يطعِ الرسول فقد أطاعَ الله ) وقال عنها: ( وإن تطيعُوه تهتدوا ) وقال عنها: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال عنها: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتَّبعوني يحببكمُ اللهُ ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) وقال عنها: ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يدُ الله فوق أيديهم ).

إن كثيراً مما يدور بيننا أفقدَنا الشعورَ بهذه الحقيقة، فيجب أن نحمي حمى عقولنا وأفئدتنا وحمى ديننا من أن نُنَسَّى هذه الحقائق في الرابطة بخير الخلائق، وأن نتقن سرَّ علاقتنا بقيادته، بحسن اقتدائنا به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأن نجعله محكَّماً في ما نختاره من أجهزةٍ ومن أشرطةٍ ومن برامج ومن معاملاتٍ في البيوت وفي الشركات وفي الهيئات ومع الحكومات المسلمة وغير المسلمة ومع مختلف هيئات ومرافق هذه الحياة.

إنه يجب أن نعيَ تماماً هذا الدورَ العظيمَ الذي هو مرتبطٌ بأسرار الخلافة عن الله تعالى في أرضه، فما هناك مجالٌ للخلافة عن الله في غير منهج وهدى من ائتمنه ومن اختاره واصطفاه ليبلِّغ عنه ويهدي إلى سبيله. فلنُدرك هذه الحقيقة ولنخرج بها مستمسكين بالعروة الوثيقة إلى نفعِ كلِّ من نقدر على نفعه من الخليقة، فإن الرحمةَ جاءت عامةً؛ وفي ضمن اجتماعيات هذا الإسلام وبيئات هذا الإسلام والعُرف المؤدَّب لهذه الشريعة والإسلام على مدى تاريخه عاش كثيرٌ في رحابه يجدون الإنصاف والحماية من الظلم في مختلف المجتمعات من عهد الخلفاء الراشدين فمن بعدهم.

إن أمامنا أستاذيَّةً وتصدُّراً في خدمة العالم حصلناها وأهملناها يجب أن نراجع أنفسَنا ونعود إلى استشعار مهمتنا أولاً، والعمل على التهيؤ للقيام بها ثانياً، ومباشرة التطبيق بالوسائل الناجعة الناجحة الطيبة ثالثاً، لنؤدي دورَنا في الخلافة عن الله في أرضه ( وعد اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلفَ الذين من قبلهم وليمكنَّن لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليبدلِّنَّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا )
وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.