بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى وآله وأهل بيته الطاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا إخواننا وأحبتنا، نرفع كلمةَ هذا الشهر، شهر ربيع الثاني من عام ثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فنقول لهم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فيا أيها الأحباب في الله تبارك وتعالى: إن مما يجب أن نفقه سموَّ نظرِنا ومداركنا وتصوُّرنا للأشياء بحُكمِ عظمةِ وعلوِّ وسموِّ مصدرِنا الذي نستمد منه الفهمَ والمعرفة والإدراك للحقائق، إن مما يلزم ويجب على أهل الإيمان والإسلام أن يستشعروا نعمةَ أن تلقِّيهم مِن فوق مستوى فِكر البشر وتجاربِهم ومداركهم، إن تلقِّيهم لما يسيرون به مما يُفرض عليهم أو يُحرَّم أو يُسن أو يكره أو يُباح أو يصح أو يبطل مصدرٌ ربانيٌّ إلهي بعثَ به المصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيجب أن يكونوا من أبعدِ الناس عن تسويلات وتلبيسات إبليسَ وجنده من شياطين الإنس والجن، وينبغي أن يكونوا أهدى للحقائق وأعمق في التصور والنظرات ممن سواهم.
ومن هذا المعنى نأخذ خصوص ما يتعلق بفقهِ الأزياء واللباس، وذلك أنه يحصل من الأغاليط والتلبيسات في ذلك شيءٌ كثيرٌ ووهمٌ كبير، فمما يجب أن يكون واضحاً أن حقائق العلم أو المعرفة والثقافة والخُلُق وأداءَ الدور في الحياة لا يمكن أن يكون مرتبطاً ارتباطاً كلياًّ لازماً بشيء من مظاهر اللباس والأزياء، فاللباس شيءٌ وتلك الشئونُ من العلم أو المعرفة أو أداء الدور في الحياة أو الكرامة وما إلى ذلك شيءٌ آخر، إلا أنه يتعلق بها ما جاء الحكم فيه في شريعة الله تحريماً أو فرضاً، كما نعلم من واجب لباس المحرم بالحج والعمرة بالنسبة للرجال، وما نعلم من واجب اللباس الذي يؤدي فرضيةَ الستر والحجاب بالنسبة للمرأة، كما نعلم من تحريم استعمال لباس الحرير على الرجال وإباحة ذلك في شريعة الله للنساء، كما نعلم أيضاً تحريمَ استعمالِ الذهب وحلية الفضة للرجال وإباحة ذلك للنساء، كما نعلم تحريمَ استعمال أوانيهما للرجال وللنساء معاً؛ فإنما يتعلق بشأن الخير والكرامة تجنُّب ما حرم تبارك وتعالى، واستعمال ما أحل وأباح. وكل ما دخل في تلك الدائرة فلا ينبغي أن يذهب بنا بعيداً فيجاوز حدَّه، أو نتصور عنه ما لا يتناسب معه، يمكننا أن نرى ما كان من اقتداءٍ أو اهتداءٍ فإنما يكون بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبالأنبياء والصالحين المقربين، وما كان من تشبُّهٍ فلا ينبغي أن يكون إلا بهم، ولا مجال للتشدُّد في مسألة اللباس إلزاماً ولا تحريماً، غير ما صرحت به الشريعة المطهرة التي نجد في كتب الحديث منها وكتب الفقه الواسعة أبواباً في اللباس والزينة.
ثم إن الذي نحب أن نؤكد عليه في كلمة الشهر هذا، أننا أمام إغراءٍ بأزياء تنحطُّ بنا عن حقيقة حيائنا وحِشمتِنا وأدبِنا وخلُقِنا الكريم، أو تستثير منا ما يؤدي إلى الضُّر أو إلى الفساد، فنحن أمام هذا يجب أن نكون على بصيرة؛ لسنا بالذي يُغرى ويُستهوى بأن لباسَ الزي الفلاني الذي يتناوله شرعُه إما تحليلاً فلا شيء فيه إلا أن يكون معه معنى الاستخفاف باللباس الحلال الآخر أو اللمز لما اتصل بالعُرف في لباس أهل الفضل أو العلم، أو كان على قدم الإتباع للأخيار من رسول الله المختار أو صحابته أو صلحاء الأمة. وقد يكون ذلك الزي متصلاً بإثارةٍ لسوء الخلق أو للفكر في الدناءة أو لاستثارةِ الشهوات المحرمة أو مقروناً بنية التشبه بمن عُرِفوا بالفسق والانحطاط، فمثل هذا ينبغي أن لا تنطلي على شبابنا فيه حيلةٌ ليُعرض عليهم أنه مظهرُ ثقافةٍ أو لباسُ تقدمٍ وتطوُّرٍ وما إلى ذلك من الكلمات التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة..
كم تعرَّض شبابُنا وأجيالُنا للَّعلب عليهم في هذا الشأن، وأُخذِت في ذلك واقتُطعت حصصٌ من أوقاتهم ومن أفكارهم ومن أموالهم، بما لا يعود عليهم بحقيقةِ نفعٍ ولا كرامة ولا تحصيل فائدة، بل ربما بما فتح لهم أبواباً من السقوط في أنواعٍ من الشرور.
ومما يتعلق بذلك وهو رأسٌ فيه، أزياء المكرَّمات المصونات من نسائنا معشرَ أهل لا إله إلا الله، فمما يُنشر بطرقٍ متعددة وملتويةٍ أن حقيقةَ حرية المرأة أو أن كرامتها في أن تكشف شيئاً من بدنها أو من زينتها للأجانب، فهل يمكن لنا أن نصدق ذلك أو أن يستهوينا ذلك، أو أن نجري وراءه بغباءٍ يُنادَى عليه بالحرية أو التقدم أو التطور. إن اللاتي أُنزِلت في عهدهن آياتُ الحجاب من خيار وأكارم وأفاضل وأماجد نسائنا الفُضليات قمنَ باكتساب الحظِّ الأوفى من العلوم النافعة، وكنَّ ذواتِ الرأي والمشورة، وكنَّ ذواتِ التأثير في المجتمعات، وكنَّ ذواتِ المكانة الكبيرة، وهن اللاتي أصبحنَ صبيحةَ نزول آية الحجاب كأنَّهن الغربان السود، لا يُدرى إحداهن مُقبلة أم مدبرة، فلم يكن كل ذلك الاحتشام، ولم يكن كل تلك الرغبة القوية في ذلك المَظهر الوقور المحتشَم حائلاً بينهن وبين أداء أدوارِهن الكبرى، ولا بين اعتلائهن الدرجات العُلى، وجمعِهن للثقافة النيِّرة والعلوم الواسعة والأعمال المثمرة النافعة في المجتمع.
إذن فما هي الضجة الكبيرة الدائرة اليوم لإغراءِ نسائنا بكراهة الحجاب الذي أحبه ربُّهن منهن، أو إيهامهنَّ بأن تخلِّيهِن عن شيءٍ من ذلك يكون مظهراً لتطوُّرِهن أو ثقافتهن أو حريتهن.. وما إلى ذلك!!؟
إننا جميعاً رجالاً ونساءً حريتُنا باختيار تطبيقِ منهجِ الله تعالى، بالتزام ما أمر وتركِ ما نهى، والخروج إلى البشر بهذا النور المضيء الذي يفوق مستوى مداركهم وتجرباتهم، ثم أن نأتي إلى منطقة الجائز فنكون على درجات في اختيار ما تعلق بالسنة أو كان أوفق بعرفٍ أو بمقصدٍ حسن. إن حريتنا باختيار الأفضل والأجمل والأحسن والأولى بمنظارٍ صحيحٍ نازلٍ من حضرةِ ربنا جل جلاله مبيَّنٍ على لسان رسوله المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولنا بذلك العزةُ والشرف، ولنا أمانةٌ في إيصال هذا النور والخير إلى من سوانا.
وحتى لا يطول بنا الكلام نقول: إن من واجبنا أن نكون عقلاءَ نرمي ببصيرةٍ وبصرٍ ثاقبٍ إلى عواقبِ الأمور وإلى بواطنها ونتائجها، ولا نبقى عُرضةً لأن يُلعب على عقولنا وأفكارنا بما يُطرح من هنا وهناك، فنكون سوقاً ينفِق فيها البضاعات الكاسدة والحيلة والخداع.
رفع الله لنا القدرَ بتبعيَّةِ هوانا لمنهجه الرباني، واستقامتِنا على متابعة عبدِه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، والحمد لله رب العالمين.