بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلمَ على عبدِه الهادي الأمين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد :-
فإلى إخواننا وأحبابنا في الله، من أهل ملةِ لا إله إلا الله محمد رسول الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وفي كلمة هذا الشهر نحب أن نتذاكر في واجبٍ عظيمٍ, وهو واجبُ المحافظة على أوقاتنا وساعات أعمارِنا بحسنِ الترتيب لكيفية قضائها توزيعاً لها على ما يَلزمُنا في أمر ديننا وما نحتاج إليه من أمرِ دنيانا, ثم عمارةُ أوقات الفراغ باختيارٍ حسنٍ فيما نقضِّي به تلك الأوقات, فإن لعدم المبالاة بمرور الوقت في واقع المسلمين آفاتٌ كثيرة, ترتَّب بسبب ذلك إضاعةُ كثيرٍ من الإمكانيات وإهدارُ كثيرٍ من الطاقات وتفويتُ كثيرٍ من الفرص المتاحة في إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع وفي النفع والانتفاع والإفادة والاستفادة بما يحقق علوَّ الدرجات والتطهُّر عن ذميم الصفات أو التحلي بحميد الشمائل المرضيات أو النصرة للحق ولرسوله بأي مظهرٍ من مظاهر تلك النصرة, ومنه على وجه الخصوص - أي من الأوقات على وجه الخصوص - أوقات الإجازات الصيفية للمدارس ولبعض الوظائف في بعض المؤسسات والمرافق, وهي تكون كثيراً في كثير من البلدان في أيام الصيف. هذا الذي نحن في استقباله. فينبغي لكل مؤمن أن يحسنَ النظرَ لنفسه, ثم يُلقي نظراً حسناً فيما يتعلق بأولاده وكيفية قضائهم لأوقاتِ الفراغ عامة, وهو ما يَفْضُلُ على ما يحتاجون إليه من أوقاتِ منامٍ وطعامٍ وضرورات الحياة وأداء الواجبات اللازمة في الدين مِن مثل الصلوات والجماعة فيها - أي حضورها في الجماعة - وأخذِ نصيبٍ بعد ذلك من تلاوة القرآن الكريم، ونصيبٍ من الأذكار التي حثَّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في كل صباحٍ وفي كل مساء, ترتيب هذه الأوقات، ثم ترتيب أوقاتِ أيام إجازاتهم على وجه الخصوص من المدارس.
كذلك ينبغي أن يكون له نظرٌ في التعاون والتفاعل مع أهله من زوجة وإخوان وأخوات وغيرهم من الأقارب, في التشاور في كيفية قضاء الوقت، واقتراح ما هو أنسب في مثل ذلك, فإن إهدارَ الأوقات إهدارٌ لأعمار، وإهدار الأعمار إهدارٌ لطاقاتٍ وإمكانياتٍ وفرصٍ ثميناتٍ لا يُعَوِّض عنها شيءٌ آخر, ومن هنا قيل عن الأنفاس: ( كل نفسٍ من أنفاسِك جوهرةٌ لا قيمة لها ).
فينبغي أن نحسن الترتيب في كيفية قضاء هذه الأوقات, ومن خير وأهمِّ ما نقضيَه فيها بعد حسنِ التدبُّر لكتاب الله تعالى ولأخبار النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخبار الأنبياء والمرسلين، أن يكون لنا نصيبٌ من التفقُّه في دين الله تبارك وتعالى, وزيادة المعرفة والمعلومات عن منهج الله جل جلاله. لقد قال نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( من يُرِدِ الله به خيراً يفقّهه في الدين ).
ثم يتعلق بهذا أن يكون عندنا تحكُّمٌ صحيحٌ قويمٌ فيما نقضِّي به الوقت من استعمال الأجهزة وما يدور فيها, واختيار الكتب للذي يرغبون في القراءة منا ومن أبنائنا وبناتنا ومن أهالينا.. كاختيار الكتب في أي نوعٍ كان من نوع القصص أو من نوع الفقه أو من نوع السيرة أو من نوع التفسير أو من نوع التاريخ إلى غير ذلك من الثقافات العامة والمعارف العامة, يجب أن يكون لنا في كل ذلك مساعدةٌ على حسن الاختيار وحسن الإيثار لما هو أهم وأجمل في كل هذه النواحي.
على أننا إذا رأينا الرغبةَ في أحدٍ منهم في شيءٍ من الأفعال المباحات من مثل أفعال الرياضة وغيرها أن نزوِّده فيها باستحضار النية الصالحة, والتزام المنهج الأمثل أثناء القيام بها, لتكون من جملة الطاعات والقربات إلى الحق تبارك وتعالى. فبهذه النظرة والاهتمام بشأن الأوقات يمكننا أن نحافظ على كمياتٍ هائلةٍ من طاقات المسلمين العقلية والفكرية وإمكانياتهم المختلفة, وليكون كل ذلك مصروفاً في إعلاءِ كلمة الله وجمعِ شمل الأمة وحصول النفع والانتفاع, وبالله التوفيق، وهو المستعان وعليه التكلان, والحمد لله رب العالمين.
((رابط الإستماع))