بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة شهر ذي الحجة لعام 1430 هـ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإلى إخواننا وأحبتنا من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نوجِّه لهم كلمةَ شهر ذي الحجة من جبل عرفة، في يوم عرفة، حيث التعرُّض لنفحات الله، واجتماع أهل الإيمان بالله من شتى أقطار الأرض، متضرِّعين إلى رب السماء والأرض، مقتدين بهديِ سيدِ أهل السماء والأرض، قائمين بحق الخلافة في هذه الأرض، مستعدِّين للخروج من ظهر الأرض إلى بطنها، وللوقوف في يوم العرض ( يومَ تُبدَّلُ الأرضُ غير الأرض والسماوات وبرزُوا لله الواحد القهار )
نوجه كلمتَنا لأحبتنا وإخواننا في الله تبارك وتعالى أن يطلبوا حقيقةً من معرفة الله الخاصة التي أولُ قدمٍ فيها استواءُ السريرة والعلانية، وهذا الطلب إنما يكون بصدقِ التوجه التام والرَّغَب إلى الحق سبحانه وتعالى، والحرص على اقتفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وإنما يكون تصفيةُ الفؤاد والضمير، وتنقيتُه والتطهير، وطلاب هذه المعرفة بالحق جل وجلاله وتعالى في علاه، يهونُ عليهم بذلُ كل شيء في سبيل تحصيلها، وهم كذلك لا يعبأون بالعوائق والقواطع التي تعترضُهم في سبيلها، إنهم أدركوا الحقيقة، فما كان بينهم وبين الخليقة إلا ميزان رب الخليقة جل جلاله، تعاملوا بهذا الميزان فلم يُخدعوا بما يُعرض وبما يُطرح في الساحة من الافكار والسلوكيات المخالفة لمنهج الرب جل جلاله، بل صانوا أسماعَهم عن الإنصات إليها، وحفظوا قلوبَهم عن الميل إليها، طلاب المعرفة بالله لا يُستخدمون أدواتٍ لأعداء الله من شياطين الإنس والجن فيؤذوا أو يضروا.
إننا في عرفة نشهد اجتماعَ الأمة تحت شعار: لبيك اللهم لبيك، متَّبعين لنبيٍّ واحد أكرمِ مَّن لبَّى وأعظم مَن حج واعتمر، خير البشر، صفوة الله من مضر، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. فلتُساهم ولتصدُق أيها الأخ في الله وأيتها الأخت في الله، يساهم كلٌّ منا ويصدُق في طلبِ تحقيق المعرفة بالله تبارك وتعالى بخدمةِ وحدة هذه الأمة بالترفُّع عما يثير الضغائنَ والأحقادَ من الكلمات والأساليب في المعاملات، ولنساهم في وحدة الأمة بطلاقة والوجه وبشاشته، وبطيب القول، وبتفقُّد الأهل والجيران وصلة الأرحام، وابتداء من لاقَينا بالسلام، وبصيانة اللسان عن ذكر المساوئ والمعايب للآخرين، وبنَشرِ كل ما يحسن بيينا من كريم الصفات وجميل الخلال وليكن كلُّ ذلك في طريق طلبنا للمعرفة الخاصة بالله جل جلاله، فإن من أقوى القواطع حقوق الخلائق، وهي متعلقة بأنانيةِ نفس الإنسان وبهواها، فعامة ما يكون من الاعتداء على الآخرين أو النيل منهم أو ثلبهم لحظ هذه النفس، ولذا كانت النفس أشد الحجب بين العبد وبين المعرفة الخاصة بربه جل جلاله وتعالى في علاه، فلنصدق في طلب هذه المعرفة وتحقيقها بحسن اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شئوننا وأحوالنا المخلتفة كلها.
ولنُحسن ختمَ هذا العام بتأمُّل أحوال كيفية تناوُلِنا للمطاعم والمشارب، وألبستِنا ونوايانا فيها، ومجالستنا لأهلينا وأولادنا وكيفية قيامها على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتَفقُّد صلتِنا بالكتاب المنزَّل وبالنبي المرسل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونصيبنا من تلاوة القرآن ومن الصلاة على رسول الله في كل يوم وليلة، ومن قراءة الحديث الشريف، ونصيب أولادنا وبناتنا من حِفظِهم القدر في ذلك.
ولنختم العامَ بقلوبٍ تصدُق مع الله وتُخلِص له، لا تتأثر تأثرًا سلبيًّا بما يدور وهو واقعٌ بين الأمة من شدائد وبلايا وتمزُّق وتفرٌّق، ولكن يزيدُها كل ذلك رحمةً وشفقةً على الأمة، وبذلًا للمستطاع وثقةً في الرب وابتهالًا إليه جل جلاله، فإن الله سبحانه وتعالى يسيِّر الكائناتِ بما فيها بحكمته العلية، وكلُّ أمر عليه يسيرٌ جل جلاله، لا يصعب عليه أمر ولا يعجزه شيئ، فوجب أن نفهم الحكمة فيما يجري ولا يكون ذلك حائلاً بينا وبين المُضي قُدُمًا في طلب المعرفة الخاصة به، وفي خدمة هذه الأمة بما نسطيع ونقدر عليه، ومظاهره كثيرة إذا تأملناها، فمن أرض عرفة نوجِّه إلى إخواننا أن تكون قلوبُهم متعلقةً بطلب المعرفة، وأن ترعى حقَّ الأمة في وحدتِها وجمعِ كلمتها، تسعى لذلك جهدَها وبالله التوفيق، وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.