بسم الله الرحمن الرحيم
غادر الحبيب الدنمرك فجر الخميس، وتوقف في مطار زيورخ في سويسرا، وقد أدى تساقط الثلوج في معظم مناطق أوروبا إلى تأخر رحلات الطيران لمدة ساعتين، ولحفظ الوقت
حرص حفظه الله على اغتنام فترة الانتظار في المطارات في قراءة بعض الكتب العلمية، كعادته حفظه الله في حرصه على اغتنام الوقت وصرفه فيما يفيد ويقرب إلى الله.
ثم واصل رحلته ليصل مطار مدريد الدولي عصر يوم الخميس 13 صفر 1431 هـ الموافق 28 يناير 2010م وكان في استقباله الشيخ ميمون أميروي رئيس الجمعية الإسلامية في مدريد وعدد من أعضاء الجمعية، والأستاذ فؤاد النهدي رئيس منظمة الطريق الوسطى مع وفد من طلبة علم وإعلاميين قدموا من لندن للمرافقة،
واتجه الجميع مباشرة إلى المركز الإسلامي سطريتشو بمدريد حيث ألقى الحبيب عمر حفظه الله محاضرة بعنوان: أولوية دعائم الأخوة ومدى إفادتها في السلوك إلى الله.
وفي المساء التقى بالداعية الشيخ أبو سيف الخرخاش الذي أمضى أكثر من 33 سنة في أوربا.
التوجه إلى ضاحية فوينلابرادا في مدريد
أدى الحبيب عمر صلاة الفجر في مسجد الأمة، ثم قرأ الجميع أذكار الصباح الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قرئ عليه في عدة كتب علمية وأحيى مع الحاضرين وقت ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس في مجلس علم وذكر لله عز وجل، ليظفروا بأجر الحج والعمرة التامة الوارد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحلَّ الحبيب عمر ضيفاً على المركز الثقافي الإسلامي بفوينلابرادا الذين استقبلوه استقبالا حافلا، واحتفلوا بقدومه إليهم واهتموا بتنسيق فعاليات برنامجه في مدريد، وللمركز إسهامات كبيرة ونشاطات متعددة في خدمة الدعوة ونشر العلم الشريف.
ثم ألقى الحبيب عمر خطبة الجمعة في مسجد الأمة في نفس المركز، وكانت بعنوان: الاستقامة وارتباطها باللسان وأثرها على الجوارح. دعاهم فيها للمحافظة على الاستقامة على طاعة الله وترك معاصيه مهما كانت الظروف المحيطة بهم، وأضح أنها سبب للنصر والتأييد من الله عز وجل، وتطرق لحديث: ربنا الله ثم استقم، بأن يُخرج كل مسلم من قلبه كل ما سوى الله عز وجل، فلا يترك شيئا من تعاليمه لأي سبب، ولا يرتضي ربا سواه فيطيعه بمعصية الله تبارك وتعالى، وذكر امتداد أثر الاستقامة إلى في طريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة، وركز على أثرها في حفظ اللسان من كل ما يغضب الله عز وجل.
وبعد الجمعة زار الحبيب عمر المدرسة التابعة للمركز وتجول بين صفوفها واطلع على سير الدراسة فيها، وبارك في الجهود المبذولة للاهتمام بطلبة العلم الشريف وأثر ذلك في حفظ الدين والأخلاق الفاضلة.
وبعد المغرب ألقى محاضرة في نفس المسجد بعنوان: مراتب الإحسان.
التوجه إلى غرناطة
وفي نفس الليلة توجه الحبيب برًّا جنوبا إلى مدينة غرناطة درة مدن الأندلس في عصرها الذهبي، حيث استغرقت الرحلة أربع ساعات، ولكن هوَّن بعد المسافة الشوق إلى تلك البقاع التي اكتسبت الهوية الإسلامية، وصارت مفخرة للإسلام لقرون عديدة، وازدهرت بالكثير من العلوم والمعارف، وأضحت مصدر إشعاع للغرب، وقدمت للأمة طوائف من العلماء والمفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين في شتى الفنون ومنهم الشيخ شعيب ابن أبي مدين، القرطبي، ابن رشد.
وصل الحبيب قبل الفجر بساعات وكان في استقباله الأستاذ علي مريور وهو انجليزي مقيم في الأندلس من ثلاث سنوات، وكان له تلقي من الحبيب عمر قبل أكثر من عشر سنوات وقبل بناء دار المصطفى. والجميل أن الأخ علي رتب نزول الحبيب ومرافقيه في أحد المنازل التراثية في غرناطة القديمة، حيث البناء من العصر الأندلسي الذي ألهم أوربا العصور الوسطى نهضتها الحديثة.
صلى الحبيب عمر الفجر في نفس البيت الأندلسي مع المرافقين وأحيى معهم الوقت الشريف بعد الفجر في ذكر لله ومجلس علمي قرأوا فيه العديد من الكتب.
وما أن سمع الأندلسيون بقدم الحبيب عمر إلا وتوافد الكثيرون من المدن والقرى القريبة والبعيدة للقاء بالحبيب، واجتمع معه عدد من المشايخ والدعاة والمشرفين على عدد من المدارس الإسلامية ومنهم:
البروفيسور عبد الصمد أنطونيو روميرو عميد كلية الدراسات الأندلسية، الذي أسلم منذ فترة طويلة وله جهود متواصلة في خدمة الدعوة. وقد أعرب عن سعادته بلقاء الحبيب عمر والتزم بتدريس عدد من كتبه في الكلية، كما وجه الدعوة للحبيب عمر لزيارة الكلية وعقد دورة للمهتمين بالدعوة في زيارة قادمة.
والشيخ حفظ الله القليصي رئيس مجلس إدارة رابطة إستيبونا الإسلامية في ملقا.
وتحدث معهم عن أحوال الإسلام والمسلمين في الأندلس، وما يحتاجه المسلمون لتبيت دعائم دينهم وترسيخ الأخلاق والقيم الفاضلة فيهم.
وأدى حفظه الله صلاة العصر في مسجد التقوى في غرناطة، وبعد الصلاة ألقى كلمة للحضور.
وبعد المغرب ألقى حفظه الله محاضرة في جامع غرناطة هي خاتمة المجالس والمحاضرات.
وكانت بعنوان: مسئولية المسلم في مجتمعه الغربي. وكان محور كلمته حول وصية الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سيدنا معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري عندما أرسلهما إلى اليمن، كما جاء في الحديث: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن فقال: يسِّرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا. حيث تطرق إلى أبعاد دعوة الرسول لأصحابه بالتيسير والبشر وعدم الاختلاف، واعتبرها من أهم ركائز الدعوة للمسلمين ولغير المسلمين.
فكانت هذه الكلمة آخر كلمة للحبيب عمر في زيارته لست دول من قارة أوربا، ووصيته الجامعة للمسلمين في رحلته الأوربية.
كما اهتم حفظه الله بزيارة عدد من المآثر الإسلامية التي تشهد بتقدم المسلمين العلمي والعمراني والهندسي، ومن أبرزها قصر الحمراء التاريخي في غرناطة، حيث تجول في أفنية ذلك القصر الذي يمتلئ بالزائرين كل يوم، وطالع فيه جمال البناء والتصميم والزخرفة الإسلامية، وتأمل ما تزينت به الجدران من آيات من الكتاب العزيز كتبت بروعة فائقة.
كما اطلع على آثار إرهاب النصارى وقتلهم للمسلمين في محاكم التفتيش، وما عاناه المسلمون منهم بعد سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس.
ويوم الأحد 16 صفر اختتم الحبيب عمر حفظه الله زيارته لأوربا، وعاد منها إلى أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ليشارك في اجتماعات المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة للدراسات الإسلامية الذي يتكون من نخبة من أكابر العلماء والمرجعيات الإسلامية، وهم العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رئيس قسم العقائد والأديان بكلية الشريعة جامعة دمشق، والعلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مركز التجديد والترشيد بلندن، والعلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، والعلامة الحبيب عمر بن حفيظ مؤسس وعميد دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، والداعية الإسلامي الحبيب علي زين العابدين الجفري مؤسس ومدير عام مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية.
وقد ناقش السادة العلماء أعضاء المرجعية الشرعية على مدار ثلاثة أيام من الأحد 16 صفر 1431هـ الموافق 31 يناير 2010م أجندة جدول الأعمال فيما يتصل بجوائز المحبة وبفعاليات وأنشطة مؤسسة طابة لعام 2009م والخطط المستقبلة للمبادرات والمشاريع لعام 2010 بهدف تحديد أولويات خطاب طابة للفترة القادمة، واختتم اجتماع المجلس يوم الثلاثاء 18 صفر بمراجعة تطورات مبادرة كلمة سواء لعام 2009م ومناقشة إستراتيجية العمل المستقبلية.
وصباح الأربعاء 19 صفر الموافق 3 فبراير عاد الحبيب عمر بحفظ الله ورعايته إلى اليمن، بعد جولة استغرقت 37 يوميا شملت عددا من الدول في الشرق والغرب، نسأل الله أن يجعل فيها الخير والبركة وأن يعم النفع بها لأهل تلك البلاد والمسلمين أجمعين.