توجه الحبيب عمر بن حفيظ عصر يوم الخميس 29 ربيع الأول 1430هـ الموافق 25 مارس 2009م إلى جمهورية مالي في غرب أفريقيا للمشاركة في قمة تمبكتو - التي عُقدت بعنوان ( العلماء والتنمية ) التي نظمتها منظمة "راديكال ميدل واي Radical Middle Way بمدينة تمبكتو العلمية التاريخية الشهيرة تحت إشراف رئيس جمهورية مالي أحمد توماني توري، في الفترة من يوم السبت 1ربيع الثاني 1430هـ الموافق 28 مارس 2009م وحتى مساء الاثنين 3 ربيع الثاني الموافق 30 مارس 2009.
ووصلت الوفود المشاركة إلى مدينة باماكو عاصمة جمهورية مالي يوم الجمعة، ومنها توجهوا إلى مدينة تمبكتو العلمية التاريخية ذات التاريخ العريق والمشرق والمزدهر بكثير من العلماء والفقهاء والدعاة. وتقع شمال العاصمة باماكو، وتبعد عنها حوالي 1200 كم.
أهداف المؤتمر:
- جمع أبرز الشيوخ والعلماء في أفريقيا الغربية والشمالية والشرقية لتشكيل حلف الوسط.
- تحديد مركزية ومساهمة الإسلام في الرفاهية التاريخية للقارة الإفريقية - بالنسبة لشعوبها وتاريخها وثقافاتها وتجاربها.
- التركيز على مساهمة الإسلام الإفريقي في السلام والانسجام العالميين.
- رفض التطرف العنيف كوسيلة للتغيير.
- إدانة عقلية التكفير.
- تسليط الضوء على دور الإسلام في مكافحة الفقر والأمية والأمراض.
- مطالبة الحكومات أن تكون شفافة وملتزمة بتحقيق المساواة والعدالة للجميع.
- التنبيه إلى الحاجة إلى تعاون دولي في التعامل مع الأزمات البيئية - خاصة التصحر الذي تعاني منه القارة.
- مناقشة طرق أفضل لحماية حقوق المستضعفين داخل المجتمع - الأطفال والنساء والأقليات الأخرى.
- تكرار الرسالة الإسلامية الرامية إلى التعايش السلمي وتقبل التنوع والاختلاف.
فعاليات المؤتمر:
ابتدأت فعاليات المؤتمر ضحى يوم السبت 1 ربيع الثاني الموافق 28 مارس بمشاركة عدد من العلماء والدعاة البارزين في أفريقيا وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن عبد القادر مفتي دولة أثيوبيا، والشيخ محمد الحاج إبراهيم نائب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بأثيوبيا، والشيخ قريب الله شيخ محمد الناصر شيخ الطريقة القادرية في نيجيريا، والشيخ التيجاني علي سيس إمام الجامع الكبير بالسنغال، والإمام محمود ديكو رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، والشيخ خالد الساقي المدير المساعد لمؤسسة دار الحديث الحسنية بالمغرب، وشارك أيضا في فعاليات المؤتمر الشيخ عبد الحكيم مراد أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، وغيرهم من العلماء من الجزائر والسودان وأمريكا وبريطانيا ومناطق مالي، وقد أثرى السادة العلماء الملتقى بمحاضرات قيمة وبحوث طيبة تساهم في إصلاح الأمة الإسلامية والعالم أجمع. وناقشوا التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية التي تواجه القارة الأفريقية. وبينوا أهمية دعوة الإسلام للاستقرار والسلام الاجتماعي، ومخاطر التطرف والإخلال بالأمن على المجتمعات، وتحديات التطور الاقتصادي والاجتماعي، والتأكيد على رسالة التعايش والرحمة في الإسلام، وأهمية فهم شمولية مفهوم الجهاد لمختلف أوجه أعمال الخير والتنمية ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ
وجاءت مشاركة الحبيب عمر في هذا المؤتمر بمحاضرة بعنوان: ( العدل والرحمة والمحبة في الإسلام ) التي بارك فيها الجهود الطيبة لعقد هذا المؤتمر، وأشار فيها إلى عِظم المقصد الذي اجتمعوا من أجله. وقال: ( يجب علينا أن نرسخ أقدامنا في فهم الوحي وتطبيقه والعمل به، ثم مخاطبة العالم به، فليس هذا الوحي حكراً علينا لوحدنا، ولكنه خطاب الله لعباده المكلفين، وكل من وعاه جعل الله عليه مهمة في تبليغه لمن عداه، لأجل هذا الفقه انتشرت هذه الرسالة في مختلف الأقطار) ثم استعرض موضوع محاضرته وتحدث بالتفصيل عن ( العدل والرحمة والمحبة في الإسلام ) ، ليبرز من خلالها هذه المفاهيم التي يحتاجها المجتمع، واهتمام الإسلام بها، ونصوص الكتاب والسنة الواردة في تطبيقها والعمل بها، وابتدأ بتوضيح معنى العدل وهو الحكم بالإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، وقد جاءت به الشرائع كلها، واهتمت به شريعة الإسلام ، واستدل بالآية الكريمة ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) فمهمة العدل أن يشمل جميع من في الأرض، لذلك عبر بقوله ( ليقوم الناس بالقسط ) لأن فيه الخلاص لجميع من في الأرض من مشكلاتهم. وأكد هذا المعنى بذكر نماذج من حياة أهل الملل الأخرى في عدل الإسلام.
ثم تحدث عن مفهوم الرحمة في الإسلام، مبيِّنا مظاهر من رحمته وشفقته صلى الله عليه وآله وسلم بالأمة، فما طلب منه الدعاء على قوم من الكفار، إلا ورفع يديه ودعا لهم دون أن يدعو عليهم. مثلما حدث في قصة الطفيل بن عمرو الدوسي، حيث دعا النبي لقومه بعد أن كذبوه بقوله: اللهم اهد دوسا واءتِ بهم. واستعرض نماذج أخرى من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم.
واختتم محاضرته بالحديث عن المحبة، مبيِّنا سبب حب المسلمين لهداية غيرهم، فقال: إننا نحب الكائنات من أجل مكونها، لأن من أحب الصانع أحب صنعته. وصارت المحبة هي التي دفعت المجاهدين إلى الجهاد، فلو لم نحبهم لم نجاهدهم، لو لم نحبهم لم نجتهد عليهم ليدخلوا الجنة. واستدل بوصية النبي بأسرى بدر خيرا، حتى كان الصحابة يؤثرونهم على أنفسهم بأطيب الطعام.
وقال بأننا نعرف أن الغلظة والشدة على الكفار تقع في بابين اثنين، هما:
الأول: أن لا نسمح لهم باللعب بأخلاقنا وقيمنا ومبادئنا السامية.
الثاني: أن ندافع عن أنفسنا في حالة اعتدائهم علينا.
واختتم حديثه بالإشارة إلى ماضي المدينة المشرق، ودورها في خدمة العلم الشريف، وابتهاجه بعقد هذه الفعاليات فيها لتنهض للقيام بدورها بصورة أفضل مما كانت عليه.
واختتمت أعمال القمة مساء يوم الاثنين 4 ربيع ثاني، بعد أن حققت نجاحات طيبا وتقدما واضحا في تحقيق أهدافها، وتعتبر أول فرصة لاجتماع عدد من العلماء مع مشائخ للطرق الصوفية في أفريقيا.
من نشاطات العلماء أثناء الملتقى:
شهدت أيام الملتقى لقاءات متواصلة مع المشائخ الأفاضل، وتم ربط حبال التواصل بين أهل العلم والمشائخ، لتبادل الخبرات والاستفادة من بعضهم البعض، والتفكير في الجاد في خدمة الأمة وتوحيد الجهود ومواصلتها في التعريف بدين الإسلام والدعوة إليه وإحياء الأخلاق الفاضلة والسعي في وحدة المسلمين ونبذ كافة أشكال الشقاق والفرقة، والتعامل الواعي مع الخلاف بروح الفهم الصحيح لسعة شريعتنا المطهرة.
واغتنم العلماء الأفاضل والوفود المشاركة فرصة وجودهم في هذه المدينة التاريخية العريقة ليزروا المآثر التاريخية لتلك المدينة ليتعرفوا على تاريخها العريق وماضيها المشرق في خدمة العلوم الشرعية، ومن أهمها المسجد الكبير في تمبكتو، واستمعوا من إمام المسجد والناظر عليه إلى شرح مفصل عن هذا المسجد التاريخي الذي تأسس في القرن الثاني الهجري ، وأُدرِج ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو.
تشتهر مدينة تمبكتو باحتضان مخطوطات قديمة ونادرة من أهم المخطوطات الإسلامية، لذلك حرص الوفد على زيارة أهم مكاتب المخطوطات، وعلى رأسها المكتبة الشهيرة مكتبة ( أحمد بابا ) التي تضم أكثر من أربعين ألف مخطوط في شتى علوم الشريعة المطهرة، واللغة العربية. وأعربوا عن سعادتهم بالاطلاع على هذه المخطوطات القيمة ، ووجهوا الشكر والتقدير لكل من ساهم في المحافظة عليها والاهتمام بها.
كما تعرف الحبيب عمر على سيرة وتراجم كثير من العلماء والصالحين الذي اشتهرت بهم تمبكتو وكانوا قبلة لطلاب العلم الشريف القادمين إليهم من مختلف الأقطار ليستفيدوا من علومهم، ويتلقوا عنهم العلم النافع.
العودة إلى العاصمة وزيارة دار الأيتام:
ثم عاد المشاركون في فعاليات الملتقى إلى العاصمة با ماكو، وفيها زار الحبيب عمر بن حفيظ حفظه الله داراً لرعاية الأيتام، تقديرا منه لما يقوم به من مهمة عظيمة في كفالة الأيتام وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة، وتعليمهم، وتنشئتهم تنشئة إسلامية صحيحة على التقوى والاستقامة وحب الخير لكافة الناس. وشكر الحبيب عمر لإدارة الدار جهودهم الطيبة، وحثهم على بذل المزيد طمعا في رضوان الله عز وجل، وحرصا على امتثال أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بالأيتام خيرا.
ومساء الثلاثاء غادر حفظه الله باماكو عائدا إلى اليمن، لينهي مشاركته في هذه اللقاءات المباركة بجماعة من علماء الأمة ودعاتها، والمرجو من المولى الكريم أن يبارك فيها ويجعل فيها الخير والبركة والنفع لأقطار أفريقيا خاصة والعالم الإسلامي عامة.
لمحة عن مدينة تمبكتو:
واحة تمبكتو هي حاضنة الإسلام في الصحراء الكبرى ومنارة العلم فيها ومجمع العلماء ، من أهم العواصم الإسلامية في شمال أفريقيا, وجوهرة الصحراء المتربعة على الرمال, وهي بوابة في أقصى المغرب الإسلامي, وهى ملتقى القوافل البرية للقادمين من النيجر وليبيا ، وكذلك تجار الملح القادمين من (تودني) ، وقد أنجبت العديد من الفقهاء والعلماء وهي من أشهر المدن العربية الإسلامية خاصة منذ القرن الثالث عشر إلى أن دخلها المستعمر الفرنسي في أوائل القرن التاسع عشر وأحتلها وأطفأ شعلتها ، وسكان تمبكتو كلهم مسلمون وأشهر القبائل التي تقطن المنطقة هم: قبيلة الأنصار كل أنصر التي ظهر فيها المجاهد الشهير محمد علي الملقب أنقونا، الذي قاوم المستعمر الفرنسي عند اجتياحه للمنطقة إلى أن قام الفرنسيون باغتياله عام 1897، وقبيلة السنغاي، والبرابيش, وبعض قبائل السود الأخرى.